تحسين اللقاحات وليس زيادة الجرعات
تتزايد من جديد حالات الإصابة بكوفيد في شمال شرق الولايات المتحدة، في واحدة من أكثر مناطق البلاد حصولاً على اللقاح.
وهذا أثار قلق بعض الناس بشأن تصاعد آخر في حالات الإصابة. صحيح أن لقاحات كوفيد كانت فعالة للغاية في تقليص دخول المستشفيات لتلقي العلاج وحالات الوفاة، لكن من الواضح الآن أنها لم تقض على الوباء. والعلماء الذين تحدثت معهم في أوائل 2021 اتفقت آراؤهم تقريباً على أنهم سيقضون على الجائحة من خلال مناعة القطيع. فما سبب خطأ التصور؟
هناك سببان رئيسيان. الأول هو أن العلماء قللوا كثيرا من قدرة الفيروس على التحور السريع. والثاني هو أنهم بالغوا في قدرتهم على تعديل لقاحات «الحمض النووي الريبوزي المرسال» إلى أشكال يمكنها التغلب على متحورات جديدة. لكن يمكننا التعلم من أخطائنا، ويتعين على العلماء مواصلة تحسين لقاحاتنا، وربما استغلال أكثر من 100 لقاح تخضع للاختبار جزئياً أو بالكامل في تجارب سريرية.
وفيروسات كورونا لا تتحور عادة بسرعة كبيرة. فهي لا تحمل موادها الجينية في أجزاء يمكن تبادلها بسهولة كما في حالة فيروسات الإنفلونزا.
ولدى فيروسات كورونا آلية تدقيق تبطئ عملية التحور. وما يجعل كوفيد مختلفاً هو أن انتشاره الهائل قد منحه فرصاً كثيرة للتطور. وسلك تطور كوفيد أيضاً مساراً معقداً بشكل غير متوقع. ففي الصيف الماضي، افترض العلماء أن أي متحورات جديدة ستنبثق من متغير دلتا سريع الانتشار، وفي هذه الحالة قد يحسن لقاح خاص بدلتا الوضع وربما يسمح لنا بالقضاء على الجائحة. لكن أوميكرون تحور من جيب في السلالة الأصلية التي ظلت منتعشة في أفريقيا.
وكان من المفترض أن يكون تحديث لقاحي فايزر وموديرنا سهلاً، والأمر كذلك. لكن العلماء تلقوا أخباراً مخيبة للآمال حين اختبروا لقاحاً معززاً خاصاً بأوميكرون في الحيوانات، ووجدوا أنه ليس أفضل جدوى من لقاحات التعزيز الأصلية. وعلى الرغم من أن لقاحات التعزيز الحالية جيدة جداً، لكن جودتها لا تكفي لمنع آلاف الإصابات، وبعضها سيئ جداً. وقد ترجع الجدوى الأقل للقاح المعزز الخاص بأوميكرون إلى مشكلة في أنظمتنا المناعية. وهذه ظاهرة يسميها داني التمان، العالم المتخصص في علم المناعة من «إمبريال كوليدج» بلندن، البصمة المناعية. وفي أسوأ الاحتمالات، قد تؤدي اللقاحات إلى تفاقم العدوى بسبب تحفيز إنتاج أجسام مضادة غير فعالة. وحدث هذا مع لقاحات حمى الضنك. وليس من المستبعد أن يظهر متحور في المستقبل نتيجة لقاحاتنا الحالية.
ولم يتضح بعد ما إذا كانت العدوى الطبيعية أو الحصول على لقاحات من أنواع أخرى سيؤدي إلى المشكلة نفسها. ويعتقد التمان أن الجرعة المعززة الثانية تبدو منطقية في الوقت الحالي، في الولايات المتحدة في الوقت الذي نشهد فيه موجة جديدة من المتحور الفرعي أوميكرون BA.2.
ويوافق التمان على قرار إدارة الغذاء والعقاقير الأميركية (إف. دي. أيه) بالسماح بجرعة ثانية لمن هم فوق سن الخمسين. وهناك أدلة كافية واردة من إسرائيل تظهر أن الجرعة المعززة الثانية قد توفر شهرين على الأقل من الوقاية الشديدة ضد أمراض خطيرة أو والوفاة. لكن التمان يتوقع احتمال حدوث مشاكل أطول أمداً. ويعتقد أن مطالبة الناس بأخذ جرعة التعزيز نفسها كل فترة تتراوج بين أربعة وستة شهور ضد فيروس متغير «ليس جيداً في علم المناعة أو اللقاحات أو الصحة العامة». وتتمثل إحدى المشكلات في عدم وجود بيانات، بطريقة أو بأخرى، عما قد تفعله الجرعة المعززة لمنع الإصابة الخفيفة أو غير المصحوبة بأعراض.
ومن غير الواضح، من ثم، مدى جدوى إعطاء جرعة معززة للشباب الأصحاء لحماية المجتمع أو لتفادي طول استمرار كوفيد. وذكرت روشيل والينسكي، مديرة مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، في الآونة الأخيرة أن الإصابة بأوميكرون قد يحل محل جرعة واحدة، لكن مستوى الوقاية الحاصل من الإصابة السابقة معقد ويصعب التنبؤ به. ونقلت نيويورك تايمز عن بعض الخبراء في الآونة الأحيرة إلى أن انتشار المتحور BA.2 في الولايات المتحدة ببطء عما حدث في المملكة المتحدة يتعلق بوجود إصابات كثيرة في الولايات المتحدة بالمتحور الفرعي الآخر من أوميكرون BA.1 خلال فصل الشتاء. لكن هذه مجرد تكهنات.
فقد ذكر «ألتمان» إنه شاهد عدداً من الأشخاص أصيبوا بأوميكرون من جديد مرة أو حتى مرتين، مما يشير إلى أن الإصابة بهذا المتحور لا توفر بالضرورة مناعة جيدة حتى ضد نفسه. وأصبح الوضع الآن استثنائي التعقيد، حيث يمتلك معظم السكان صوراً مناعية مختلفة تماماً تجمع خليطاً من العدوى والجرعات والجرعات المعززة. ويقترح التمان الاستمرار في استكشاف أكثر من 100 لقاح قطعت شوطاً في الاختبارات السريرية، ومواصلة البحث عن لقاح قد يوفر وقاية أوسع. والآن هناك تهديد من متحورات هجينية جديدة، بما في ذلك متحور يعرف باسم «XE» وظهر في الصين.
وقد يتلاشى أو ينمو المتحور. والخبراء يحجمون الآن عن التنبؤ بعد بطلان تنبؤات سابقة كثيرة. واتضخ أن لقاحاتنا الحالية لن تقضي على الجائحة. وهذا ليس مدعاة للتخلي عن الأمل، بل ما زال من الممكن تدشين مسعى لإنتاج لقاحات أفضل. *صحفية علمية أميركية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»