خطاب الرئيس جو بايدن صباح الثلاثاء الماضي  الذي أعلن فيه حظراً أميركياً للنفط الروسي شكّل مثالاً ممتازاً لمدى أهمية الكلمات حين تصدر عن أفواه الرؤساء، ولكن أيضاً لبيان أن تعدد الجمهور المتلقي يعقّد الرئاسة. المتلقي الأهم الذي كان على بايدن مخاطبته كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

فهدف بايدن قبل العملية الروسية في أوكرانيا في 24 فبراير الماضي وبعدها، كان إقناع بوتين بأن الولايات المتحدة وحلفاءها يأخذون التصرف الروسي على محمل الجد وبخطورة عواقبه، دون القيام بأي شيء يُعد دخولاً في الحرب. جمهور بايدن التالي كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

فسياسة بايدن تقتضي أن يواصل زيلينسكي والأوكرانيون القتالَ، لكن ذلك صعب لأن بايدن لا يستطيع مدّهم بالمساعدة الكاملة التي يريدون، والتي يمكن أن يتوقع الحصولَ عليها عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو). ثم هناك حلفاء «الناتو»، والدول الصديقة الأخرى، وكل زعيم عالمي آخر، وجميعهم يولون الانتباه لما يقوله الرؤساء الأميركيون. ويعزى ذلك إلى أن بايدن يسعى للحفاظ على ائتلاف واسع معارض لبوتين، وإلى سمعة بايدن باعتباره صاحب خبرة في السياسة الخارجية.

وعلى أي حال، فإن خطاب بايدن اضطر لتفادي إغضاب أولئك الذين لا يستطيع تحمل غضبهم. على أن الأمر لم يقتصر على الدول فحسب، وإنما شمل أيضاً الشركات الخاصة واللاعبين من غير الدول الذين أصغوا باهتمام إلى ما يقوله الرئيس. وبعد ذلك كله يأتي الجمهور الداخلي، أي مجموعات المصالح والشركات التجارية التي قد تتأثر بمجرى الحرب، ثم الناخبون أخيراً. ومن شبه المؤكد أن خطاب الثلاثاء لم يكن يستهدف الناخبين بشكل مباشر.

لكن ذلك لا يعني أن الأميركيين لن يستمعوا إلى مقاطع منه، وبالتالي فإنه من المهم تفادي قول أي شيء يمكن أن يُستخدم مستقبلاً في إعلان انتخابي هجومي. كنتُ قد حاججتُ مِن قبل بأن مصلحة بايدن، في ما يتعلق بالسياسة الانتخابية، تكمن في التقليل من حجم المشكلة الروسية الأوكرانية. غير أن سياسته الخارجية، لسوء الحظ، اقتضت إبراز الصراع والتركيز عليه قبل بدء الهجوم. ثم حدث أن جاء الخطاب حول حالة الاتحاد الأسبوع الماضي، بعيد بدء الحرب، الأمر الذي لم يترك لبايدن خياراً آخر سوى التركيز على موضوع الصراع، والذي كان من إيجابياته منحه (أو ربما منح الأوكرانيين، ولكنه كان الشخص الذي كان واقفاً هناك على كل حال) عدة تصفيقات حارة من كلا الحزبين.

غير أن رسالة بايدن الرئيسية للناخبين تظل طمأنتهم بأن الولايات المتحدة ليست في حرب ولن تذهب إلى الحرب. ففي هذه المرحلة لا يطلب بايدن من مواطنيه فعل أي شيء عدا تحمل التكاليف الاقتصادية بشكل رئيسي لسياسة عقابية يعتقد أنها الأفضل للبلاد. وهذا يقودنا إلى الارتفاع الصاروخي لأسعار الغازولين.

فإذا كان بوتين قد وفّر للسياسيين «الديمقراطيين» بالفعل نقطة حديث عندما اعتبر بايدن أن «زيادة في الأسعار يتحمل مسؤوليتَها بوتين»، وهي نقطة كررها في تصريحات مقتضبة للصحافة لاحقاً ذاك اليوم، فإن بايدن نفسه «تحدث بصدق مع الأميركيين»، كما قال، حول التكاليف (أو على الأقل بعضها) التي سيضطرون لتحمّلها. فالقيام بذلك يُعد جزءاً من مسؤوليات الرئيس التمثيلية. بيد أن الخطاب لم يكن أبداً خطاب تعبئة للمواطنين من أجل التضحية في سبيل قضية معينة. فبايدن استهلَّ خطابه بتفاصيل سياساته الخاصة بالعقوبات، وليس بحجج بشأن لماذا تُعد تلك العقوبات ضرورية، ووصف ذلك باعتباره شيئاً بديهياً، على الأقل في هذه المرحلة.

وكل هذا ينسجم مع التقليل من حجم المشكلة قدر المستطاع. كما ينسجم مع الفكرة التي مفادها أن أي تأثيرات انتخابية لارتفاع أسعار الغاز ستكون لها علاقة أقوى بالنتائج منها بالفوز في حرب البروباجندا القائمة حولها. ولاحظ هنا أنه إذا كانت الأسعار في محطات الوقود قد ارتفعت بالفعل إلى مستويات قياسية جديدة، فإن الأسعار بعد تعديلها حسب التضخم بعيدة عن نطاق الأرقام القياسية، كما أن الطاقة كنسبة مئوية من إنفاق المستهلك ما زالت دون المستويات القياسية.

والجدير بالذكر هنا أن النفاق «الجمهوري» بخصوص هذا الموضوع حصل على كثير من الانتباه مؤخراً، إذ يُتهم «الجمهوريون» بالضغط في اتجاه حظر النفط الروسي الذي أعلنه بايدن يوم الثلاثاء ثم انتقاده بسبب النتيجة الحتمية. وربما صحيح أنه لا الدعاية الجمهورية ولا بروباجندا البيت الأبيض ستغيران حقيقة أن الناس يكرهون ارتفاع الأسعار.

غير أنه صحيح أيضاً أن الناخبين يهتمون باتجاه التحول الاقتصادي أكثر من اهتمامهم بمستوياته، وبالتالي فإذا اتجهت الأسعار للانخفاض بحلول الخريف، فإنها ربما ستُضعف معظم التأثيرات الانتخابية. صحيح أن الأمر يستحق محاولة تصوير التضخم باعتباره مسؤولية روسيا، غير أنه من المستبعد أن يكترث الناخبون لمعرفة الجهة التي تقع عليها مسؤولية الخطأ، لأنهم إذا كانوا مستائين، فإنهم سينتقدون الرئيس الذي يملك السلطة وحزبه.

*أستاذ العلوم السياسية سابقاً بجامعة تكساس في سان أنتونيو.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»