بايدن والأزمة الأوكرانية
يمثل الهجوم الروسي على أوكرانيا الذي بدأ في 24 فبراير أحد أكبر التحديات التي يمكن أن يواجهها الرئيس الأميركي جو بايدن خلال فترة رئاسته. فواشنطن ليس لديها التزام- بموجب معاهدة- بتقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا، لأن هذه الأخيرة ليست عضواً في «الناتو». لكن الولايات المتحدة تدعم أوكرانيا منذ استقلالها عام 1991. كما أكدت واشنطن دعمها لأوكرانيا وتقوم بتزويدها بالمعدات العسكرية. من ناحية أخرى، فإن الكونجرس الأميركي والشعب الأميركي يعارضون بشدة الهجوم الروسي، ويريدون من بايدن أن يفعل شيئاً لمواجهته. في الواقع، اتخذ بايدن عدة خطوات محددة لمساعدة هذه الأمة التي يبلغ عدد سكانها 44 مليون نسمة.
أولاً: استنكر الهجوم الروسي ووصفه بأنه غير قانوني ودعا الرئيس بوتين إلى سحب قواته دون قيد أو شرط. ثانياً، طلب بايدن من جميع أعضاء الناتو الثلاثين الانضمام إلى أميركا في معارضة التصعيد الروسي. يتناقض هذا مع نهج الرئيس ترامب الذي شوه سمعة «الناتو» مراراً وتكراراً. علاوة على ذلك، كان ترامب يُبدي باستمرار الاحترام للرئيس بوتين، ولم ينتقده أبداً على أي شيء فعله.
ثالثاً،: ناشد الرئيس بايدن أيضاً العديد من الدول الأخرى غير الأعضاء في الناتو للانضمام إلى واشنطن في إدانة الهجوم الروسي، وقد فعل الكثيرون ذلك. حتى سويسرا، التي كانت دائماً محايدة في الحروب والنزاعات الأخرى، أدانت العمل الروسي.
وكانت الخطوة الرابعة التي اتخذها بايدن هي فرض عقوبات صارمة للغاية على روسيا، وإقناع الآخرين بالقيام بالمثل. وأمر بفرض قيود مالية على البنوك الروسية، ومنع الطائرات الروسية من دخول المجال الجوي الأميركي، إلى جانب اتخاذ إجراءات اقتصادية أخرى، كانت هذه الإجراءات عالمية النطاق، وغير مسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة.
في الأسابيع التي سبقت الهجوم الروسي، اتخذ الرئيس بايدن خطوة أخرى كانت غير مألوفة بالنسبة لواشنطن. فقد سمح لإدارته بالكشف عن معلومات استخباراتية سرية حول التخطيط والنوايا الروسية. وكان هدفه هو أن يوضح لبوتين بأن واشنطن لديها معلومات سرية للغاية عنه، بهدف ردعه عن الهجوم.
كما توضح هذه الخطوة للأوروبيين وغيرهم أن الولايات المتحدة كانت تتصدر معارضة روسيا، وشجعتهم على أن يحذوا حذو أميركا. وقد ساعد ذلك في حشدهم للانضمام إلى أميركا في عقوباتها الاقتصادية.
ومع ذلك، ومن خلال تجربتي كدبلوماسي، توصلت إلى الاعتقاد بأن المقاطعات الاقتصادية وغيرها من التدابير التقييدية المماثلة تفشل عادة. فهي لن تمنع بوتين من التدخل العسكري أو محاولته للسيطرة على أوكرانيا. إن الغرض من العقوبات الاقتصادية هو إحداث رد سياسي مرغوب من الخصم، لكن الدراسات أظهرت أن المقاطعات فعالة فقط في حوالي 13% من الوقت. تعلمنا على سبيل المثال من المقاطعة الأميركية لكوبا أنها غير فعالة. ومع تزايد معاناة الشعب الأوكراني، سيتعرض الرئيس بايدن لضغوط متزايدة للتدخل المباشر لإنقاذ أوكرانيا.
صحيح أن أميركا سبق لها أن تدخلت عسكرياً للدفاع عن دولة أخرى تعرضت للهجوم. على سبيل المثال، قرر الرئيس بوش في عام 1991 شن حرب ضد صدام حسين عندما احتل الكويت. لكن في تلك الحالة، لم يواجه بوش أي احتمال أن تأتي موسكو لمساعدة صدام، لذلك لم يتردد في إرسال القوات الأميركية لتحرير الكويت.
مثال آخر هو أنه خلال الحرب الأهلية السورية، عندما طلب بعض الأميركيين وغيرهم من الرئيس أوباما التدخل لإنقاذ الشعب السوري، رفض أوباما. حيث إن روسيا كانت تدعم بشار، أدرك أوباما أن التدخل الأميركي يمكن أن يتصاعد إلى صراع مباشر بين روسيا والولايات المتحدة. حتى الآن، فعل الرئيس بايدن الكثير لدعم أوكرانيا، لكن خياراته ليست بلا حدود.
ويليام رو
سفير أميركي سابق متخصص في شؤون الشرق الأوسط.