العرب والصراعات الدولية
هل بوسع العرب التزام الحياد إزاء صراعات الدول الكبرى؟ هل يستطيعون النجاة من التداعيات الكارثية لحرب قد تقع بين الغرب وروسيا أو بينه والصين مثلاً؟ نتذكر ما عانته الدول العربية جراء الحربين العالميتين في النصف الأول من القرن العشرين، حيث كان بعضها ساحات حروب للآخرين، ورغم أن العرب لم يكونوا طرفاً في الصراع، فإن أكثر من نصف مليون عربي خاضوا الحرب بالجانبين.
وفي الحرب الثانية دارت معركة العلمين في مصر. وامتدت ساحة الحرب إلى بلاد المغرب العربي، وكانت بلاد الشام ميدان صراع بين حكومتي فيشي وديغول، بينما وقفت حكومة العراق مع دول المحور. ووجد العرب أنفسهم يدفعون الأثمان الباهظة للحربين، وأخطرها بروز القضية الفلسطينية التي شكَّلت محوراً لحروب متتالية، فضلاً عن وقوع العالم العربي مرغماً في دوائر النفوذ بين الاتحاد السوفييتي والغرب خلال الحرب الباردة.
لكن ذلك التموضع الإجباري جعل العرب يمضون في ركاب الآخرين وينقلون بعض الصراعات إلى بلدانهم، مما جعل رغبتهم بإقامة كيان عربي متماسك، حتى على المستوى الاقتصادي، حلماً بعيد المنال. ومن حقنا أن نشعر بخطر التداعيات المتوقعة جراء الصراع بين روسيا والغرب، حيث سيواجه العربَ سؤالٌ تقليدي من الجهتين: ما موقفكم؟ وعلى أي الضفتين تقفون؟
وسيكون العرب مضطرين للإجابة التي ستبدو عسيرة جداً، فهم ليسوا طرفاً في الصراع، ومصلحتهم أن تكون علاقاتهم متوازنة مع جميع الأطراف، وهم يدعمون كل ما يحقق الأمن والسلام في شرقهم الأوسط وفي العالم كله، كما أنهم منشغلون بالمحن التي تعانيها دول عربية جرت فيها أنهار من الدماء، ويسعون لترميم جسور التواصل التي عصفت بها رياح الخلافات جرّاء حالة الاضطراب في منطقتهم، وهم حريصون على أن تبقى علاقتهم مع الولايات المتحدة وأوروبا متينةً وقويةً، لاسيما مع تصاعد الشراكات الاقتصادية وتنامي المشاريع المشتركة على مختلف الصعد، وفي الوقت ذاته يتابعون التعاون مع الصين التي بات لها حضور اقتصادي كبير في أرجاء العالم العربي. كما حرصوا على تنمية علاقاتهم مع روسيا.
لكن العالَمَ كلَّه سينتظر موقفَ العرب، وقد تابعنا سعي بايدن لدفع دول لتزويد أوروبا بالغاز إذا توقفت روسيا عن ضخه، وقد يطلب ذلك من دول أخرى أيضاً. وستكون عدة بلدان عربية مضطرة للبحث عن بدائل إذا توقف توريد القمح الأوكراني، وسيجد العربُ أنفسَهم في خصومة مع روسيا إذا سدوا الفراغ.
إن المخاطر الحالية جديرة بأن يتم نقاشها ووضع رؤية عربية استراتيجية لاستجابة موحَّدة، والمشاركة في إطفاء نيران الحرب. ومع حرص العرب على استقلال أوكرانيا، فهم يتفهمون قلق روسيا من توسع «الناتو» شرقاً، لأنهم يعيشون القلق ذاته من أخطار تنامي النفوذ العسكري الأجنبي، ويتفهمون كذلك قلق أوروبا، كما يتفهمون موقف الولايات المتحدة الراغبة في تجنب حرب عالمية ثالثة. العالَمُ كلُّه مطالَب بوقفة موحَّدة تقودها حكمة العقلاء لتفادي كارثة ستكون وبالاً على البشرية.
*وزير الثقافة السوري السابق