«الصَّحوة».. كَيّ لا نصحو ثانيةً!
يُطرح السُّؤال عن تراجع الأفكار النهضوية عبر التاريخ، ولماذا يزج الدِّين في قمعها على الدوام؟! فليس أكثر مِن المقتولين بسبب ديني، وترديد مبرر«سد الذرائع»، وكان كتاب ابن قيم الجوزيّة(ت: 751هج) «أعلام الموقعين عن ربّ العالمين»، أعطى القوة لرجل الدين أن يكون نائباً عن الله، والتّوقيع بمعنى التَّفويض. تحدث الكتاب عن «الضَّرورات تبيح المحظورات»، وزمن الفتوى ومكانها، وما يتعلق بمصالح العباد.
لكنْ يبقى مبرر الحفاظ على التدين، ومحوره رجل الدين، وراء العقبات التي وضعت أمام الأفكار النهضويَّة، فلكلِّ زمنٍ «صحوته»، وما التجديد الديني المطروح، قديماً وحديثاً، إلا إعادة وهج الأُصول، فصار حقَّاً أن يسمَّى التجديد صحوةً، فالرأي أنَّ النهضات الفكرية حصلت بسبب خمول المنابر الدينية، لذا يُعتبر ما كُتب في تحريم الفلسفة وعلم الكلام صّحوةً، وأخطرها التي حصلت في عصرنا، لأنها تناولت المجتمع، وطرحت التَّدين بشكل مشوه مليء بثقافة العنف الكراهيَّة، وكان فرسانها السلفية الحركية التي أنعشتها حرب أفغانستان، والثورة الإيرانية، وربما فكر جهيمان العتيبي(أعدم: 1980) أنّ يكون خميني السنّة.
صحيح أنّ الصَّحوة امتدت ببلدان مختلفة، بمصر عبر «الإخوان»، والعراق عبر «الإخوان» والدعوة الإسلاميَّة، ثم ركب النِّظام العراقي السَّابق موجتها وأعلنها حملة إيمانيَّةً(1993)، لكنّ الصّحوة الدِّينية كانت بالمملكة العربيَّة السُّعوديَّة على أشدها، وكلّ ما يعمل الآن لمحو آثارها، وخلال السنوات الماضية القليلة تمكنت الدَّولة مِن إزاحة نسبة كبيرة مِنها، بجرأة غير مسبوقة.
مَن يقرأ كتاب الأديب السعودي سعيد السّريحي «كَيّ لا نصحو ثانية»(مدارك 2021)، يتعرف على فظاعة ما جرى، يوم كان أحد قادة الإخوان المصريين مشرفاً على مناهج التعليم، فأدخل فيها أشهر كتب «الإخوان»، وصار المنبر قريناً للمدرسة.
اعتمد الخطاب على بث الفزع والخوف «والإنذار مِن سوء المصير»، ويأتي عذاب القبر في المقدمة، وتلفيق قصص ما بعد الموت للعصاة الذين يشاهدون التلفزيون، ووقع على المرأة الحمل الثَّقيل منها. اعتمدت الصَّحوة على نشر خطابها عبر ما عبر عنه السّريحي: «الشَّريط الإسلامي واغتيال العقل».
كانت الخلافة الإسلاميَّة، حسب مقال صحوي انتشر واسعاً: «فرض عين بأقصى سرعة وبأقصى طاقة». إن دراسة أسباب الصَّحوة، ويومياتها مهمة في مواجهتها، فالظاهرة لا تؤخذ مقطوعة مِن جذورها، وإلا يبقى علاجها رخواً، وهذا ما أفاد به الكاتب «كي لا نصحو ثانية». فكم كان الأديب غازي القصيبي(ت: 2010) شجاعاً، وهو يواجه المنابر المسلحة بخطاب الفزع، والجماهيرية الواسعة، بكتابه «حتَّى لا تكون فتنة»، يوم صادروا المجتمع، يجمعون الشَّباب مِن بيوتهم للدورات الصَّحوية.
مَن يقرأ كتاب «كي لا نصحو ثانيَّة»، يشعر بقيمة الإجراءات المتخذة في المواجهة، وسيدفع مراكز البحوث والباحثين في كلِّ بلد غطاه دخان الصَّحوة، اقتفاء خطوة السريحي في هذه الدِّراسة، فمواجهتها ليس بإهمال تاريخها، وإنما بتكثيف الدِّراسات عنها، وأنَّ يملأ الفراغ بما يمنع عودتها.
عدَّ أرباب الصَّحوة أنفسهم «الموقعين عن ربِّ العالمين»، مع أنَّ الفقهاء المعتبرين ضمن الموقعين، كعمرو بن دينار(ت: 126هج) له عبارة تهدم كلّ النصوص التي أفزع بها الصّحويون المجتمع: «يسألوننا عن رأينا فنخبرهم، فيكتبونه كأنه نقرٌ في حجر، ولعلنا أن نرجع عنه غداً»(ابن سعد، الطَّبقات الكبرى)، فلماذا جعلوا آراءهم آراء إلهيَّة، غسلوا بها عقول الشَّباب، حتَّى صار قتل الأب والخال واجباً دينياً؟! وبهذا صار كتاب «إدارة التَّوحش» منهجاً صحوياً.
* كاتب عراقي