«معهد كولورادو».. وترويض موارد الفضاء
نشأ إنخيل آبود-مدريد على الولع بالفضاء منذ أن شاهد وهو في الثامنة من عمره الهبوط الأميركي على سطح القمر في ستينيات القرن الماضي، أيام كان يعيش في المكسيك. ومازال يتطلع إلى الفضاء هو وتلامذته في معهد كولورادو للتعدين. وجميعهم يريد مشواراً مهنياً في استدامة الحياة في عالم الفضاء.
ويرى آبود-مدريد، مدير «مركز موارد الفضاء» أنها لحظة تاريخية للقيام بهذا بالشكل الصحيح. والعيش بعيداً عن الأرض في الفضاء يتطلب حالمين على الأرض. ويستعين فريق البحث في كولورادو بخبرات الإنسان على الأرض كي لا يكرر نهب الحضارات وتدمير البيئة في الفضاء. ويفكر الباحثون في طريقة يُروض بها البشر موارد الفضاء. ويرى جيري ساندرز، مدير مهمة تكنولوجيا الفضاء التابعة للوكالة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء «ناسا» أنه «إذا كنا سنصبح مجتمعاً يتعامل مع الفضاء في المستقبل، فيتعين علينا الاستعداد لهذا».
ويعتقد آبود-مدريد والباحثون في معهد كولورادو للتعدين أن القيام بهذا على النحو الصحيح يتضمن عمل حساب لطائفة من المخاوف، اللوجستية والأخلاقية وغيرها. وتأسس معهد كولورادو للتعدين في سبعينيات القرن التاسع عشر، واشتهر بتخصصات في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
وتشير تقارير وكالة ناسا إلى أنها قدمت لهذا المعهد العلمي 32 مليون دولار في صورة منح واتفاقات تعاونية على مدار العقدين الماضيين. ويقدم عدد من المعاهد الأميركية العليا دراسات متعلقة بالفضاء. لكن هناك خبراء يرون أن «معهد كولورادو» أول معهد يقدم درجات متقدمة في حقل موارد الفضاء متعدد التخصصات.
وبدأت الدراسة في هذا المجال عام 2017 ببرنامج عبر الإنترنت في العام التالي. ويدرس معظم طلاب الدراسات العليا البالغ عددهم 128، وهم من خمس قارات، عبر الإنترنت. وفي خريف هذا العام، يبدأ تخصص جديد لطلاب ما قبل التخرج عن التعدين في الفضاء. ويعمل تيم بروسلاف، وهو طالب دكتوراه، ضمن فريق يدرس كيفية استخراج المياه من الكويكبات التي تحيط بالشمس. وفي معمل جامعي، يضيء مصباح غرفة بها قطعة بطول قدم من كويكب صخري بدائي الصنع.
والحرارة المنبعثة من الضوء المركز تضغط على سطح الكويكب لدرجة ينفجر معها مما ينتج المياه وغازات أخرى. وهذه المواد الطيارة يمكن أن تتحول في نهاية المطاف إلى وقود للصواريخ أو مياه شرب. إنه مشروع معقد، لكنه ينطوي في لبه على البحث عن الاستدامة. فمن المكلف نقل الماء والوقود خارج الغلاف الجوي للأرض. فلماذا لا نحصل عليها في الفضاء؟
ويرى «آبود-مدريد» أن الفضاء سيجعل مواردنا أكثر. وهذه الموارد قد تتضمن المعادن والثلوح وأيضا الطاقة الشمسية. والجمع والاستخراج والاستخدام للموارد هو تصور يطلق عليه استخدام الموارد في الموقع. وانحنى «آبود-مدريد» فوق مساحة من الأرض وجمع حفنة من تراب القمر وهو غبار في بياض الجير، ولكنه في الواقع بديل عن تربة القمر جُمعت من جرينلاند. وهناك نموذج أولي لطواف يعبر هذه التربة المحاكية للتدريب على عمله لأول مرة على القمر عام 2022.
وهذا الطواف ينتمي إلى شركة «لونار أوتبوست» الناشئة، ورئيسها التنفيذي، جوستين سيريس الذي يسعى للحصول على درجة الدكتوراه أيضا في موارد الفضاء، من معهد كولورادو للتعدين. وهذه الشركة- وهي واحدة من أربع شركات طلبت منها ناسا جمع مواد من القمر لصالحها في المستقبل القريب- حصلت هذا الصيف، من وكالة ناسا، على شيك بعشرة سنتات، أي عُشر التعاقد البالغة قيمته دولارا واحدا.
والتعاون سيسجل أول نقل لملكية موارد الفضاء من الشركات الخاصة إلى الحكومة الأميركية، وهي سابقة مهمة أثناء استكمال أطر العمل التنظيمية. ويرى جيري ساندرز، مدير مهمة تكنولوجيا الفضاء التابعة لناسا، أن جمع الموارد الفضائية- من استخراج الأوكسجين من المريخ وإعادة تدوير نفايات الفضاء من أجل البناء- هو أمر حيوي لتعزيز واستدامة الاستكشاف البشري على القمر.
وبرنامج «آرتيميس» التابع لناسا يستهدف هبوط أول امرأة، وأيضاً أول شخص ملون على القمر وتعلم دروس يمكن تطبيقها على المريخ. وتسعى ناسا أيضا لدعم اقتصاد الفضاء مع إثراء الابتكار على الأرض، بحسب قول ساندرز. وعلى سبيل المثال، ما مقدار ما قد يحققه استخراج الموارد في الفضاء من تقدم للسلامة والكفاءة في التعدين على الأرض؟ وتدرب «آبود-مدريد» كمهندس ميكانيكا وكهرباء وعمل في منجم للذهب والفضة بعد التخرج.
وفي الولايات المتحدة، بدأ دراسة كيفية عمل الاحتراق في نطاق الجاذبية الصغرى. وهذا قاده إلى معهد كولورادو وهناك ساعد في تطوير طفايات حرائق تعمل في محطة الفضاء الدولية في مدار منخفض من الأرض. وكرمته ناسا عام 2004 لمساهماته في رحلات الفضاء.
وكان بحث تخرجه يدور حول المساعدة في تطوير أداة استكشافية تستخدم على القمر وهي جزء من الأدوات المساعدة لبرنامج ارتيميس. والجهاز يعرف باسم «بينتروميتر»، وسيستخدم في رحلة دون رواد عام 2023 إلى القطب الجنوبي من القمر الذي به حفر من الثلوج. فهل هناك جوانب سلبية للتنقيب في الفضاء؟
يفكر كورتيس بيرنجتون، وهو طالب دكتوراه آخر، في كيفية يمنع بها أنشطته من التسبب في تلوث على أي حال. ويؤكد بيرنجتون «نحاول معالجة المسائل الأخلاقية حتى قبل ظهورها، ونأمل، قبل أن نبدأ، أن يكون لدينا قوانين بيئية متينة وجيدة فعلاً في الفضاء». وظل بيرنجتون يحلم بالتعدين في الفضاء على مدار عقد من الزمن، حين بدأ الدراسة في كولورادو عام 2018 وجد أن هناك حالمين مثله.
ويرى بيرنجتون أنه من الأفضل إرسال ريبوتات أولا قبل ذهاب البشر للعمل هناك. ويعترف «آبود-مدريد» أن القلق بشأن اقتحام مجال جديد يقض مضجعه في بعض الليالي. ويشكك في احتمال خوضه رحله خارج الأرض قبل أن يموت، لكن أفكاره قطعت هذه الرحلة، وطفايات الحريق التي ساعد في تصميمها مازالت على سطح محطة الفضاء الدولية.
سارة ماتوسيك*
صحفية أميركية متخصصة في شؤون البحث العلمي والفضاء.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»