قيل: إن مخترع المسدس الأميركي صمويل كولت، قد صرّح بعد أن راج اختراعه: (اليوم يتساوى الشجاع والجبان)، وعلى النسق ذاته قيل في ثورة الإنترنت التي جعلت الدفق المعلوماتي كأداة إنتاج في يد الجميع بأن الأحمق والذكي يتساويان فيه. ليس هناك ما هو أسهل من أن تبث رسالة على شكل إدراج أو تغريدة على أي منبر من منابر التواصل الاجتماعي، ولا أسهل من أن تضع في الرسالة ما شئت من معلومات أو مشاعر، والأسهل طبعاً أن تضمن الرسالة خطابات كراهية غير مسؤولة، وتلقيها في تلك المساحات الشاسعة من الفضاء الإلكتروني فقط لتشعر بوهم الرضا وأنت تحصد الإعجابات والمتابعين والردود، وهناك من لديه لذة في تعذيب ذاته بتلقي الردود الغاضبة متعمدا الاستفزاز وبث الكراهية.

في عالمنا العربي، كانت وسائل التواصل الاجتماعي بأكبر منصتيها (فيسبوك وتويتر) قد انتهت إلى ما هو غير ما أنشئت تلك المنصات من أجله، فالاسم وحده أصبح مثارا للسخرية، فأي تواصل اجتماعي أمام محتوى هائل من الكراهية والتحريض والشتائم والتعريض بالناس على العموم، وأي تواصل هذا الذي يدعو إلى القطيعة بالمجمل، وتحميل أعباء تلك الرسائل لسياسات الدول وهو ما يجعل «الرسمي» في الدولة منشغلا بإزالة الأحجار التي يرميها المجنون – أي مجنون- في البئر.

من محيطنا إلى خليجنا، نعيش في هذا العالم العربي هوس الإدراجات والتغريدات، وعلى كل المستويات، في السياسة والفن والمجتمع، وتحولت الغيبة والنميمة إلى مراحل من الاحتراف لا ينقصها إلا تنظيم نهائيات دوري أبطال «سوشيال ميديا»، للحصول على كأس أكبر محرض كراهية أو ناشر فتنة أو مروج إشاعة. في كل تفاصيل حياتنا اليومية في العالم العربي، صرنا نجد جنرالات غرف أركان العمليات «فيسبوك»، يقومون بالإفتاء في كل قضايا الكون بلا تردد، ولا معرفة حقيقية، مجرد إدراجات وتغريدات تتجاوز الرأي إلى الهجوم وتقرير الحقائق وأحيانا تغليفها بالتقديس الذي يستوجب تكفير وإقصاء الآخر. الخبر الصحفي الصغير بكل معلوماته التي لا تحتمل التأويل يصبح لقمة يلوكها الجميع بالتفسيرات التي تتحول إلى حروب «إلكترونية» على فضاءات افتراضية ويترسخ الانقسام والنزاع والشقاق على أرض الواقع.

حتى المعلومة، صارت مشاعاً بلا قيود مهنية حصيفة تحافظ على سلامتها وصحة محتواها، وصار يمكن بكبسة زر أن تنشر إشاعة على صيغة خبرية لتنتشر فتثير ما تثيره من نتائج سلبية، ونقع في محنة ذلك المجنون الذي يرمي الحجارة في البئر. في صفحة فيسبوكية «بلجيكية» - قياسا- ألاحظ الفرق في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، حين يضع أحدهم إدراجا يتضمن خبرا ما يهم الرأي العام، فإن أغلب التعليقات تطالب ناشر الإدراج بمصادره الإخبارية وإلا فإن إدراجه يلاقي الإهمال والنبذ.

القصة لا تحتاج قوانين تضبط النشر بقدر ما تحتاج وعيا بالتلقي حتى نقطع ذلك اللاوعي بالإرسال. هذا عالم افتراضي، وهذا صحيح، لكنه في عالمنا العربي بدأ يتمدد حتى صار يخرج من هواتفنا ليطغى على كل تفاصيل حياتنا، وكل ما نحتاجه بعض من وعي وتساؤل أمام هذا الطغيان المضلل والمرعب والمخيف.

* كاتب أردني مقيم في بلجيكا.