«نهاية الصحوة» والاستثناء الداعشي
«نهاية الصحوة» هي دعوى عريضة واسعة الانتشار على الرغم من افتقارها للعقل والمنطق والبرهان، وهي دعوى تطلقها وتصرّ عليها وتنشرها جماعات الإسلام السياسي ورموزها، وينساق خلفها ويرددها «مطايا الإخوان» من الكتاب والمثقفين وتتبناها بعض وسائل الإعلام.
الظواهر الاجتماعية الكبرى لا تنتهي بين عشية وضحاها، وشبكة المصالح التي ترتبط بها لا تنقطع بقرارٍ ولا تختفي لرغبةٍ، بل الضرورة للدولة والمجتمع هي في الاستمرار في استحضار تلك الظواهر الاجتماعية حين تكون بالغة الضرر وعميقة الخطر لئلا تجد سبيلاً للعودة مجدداً تحت أي غطاء وبأي شكلٍ.
المهتمون بظواهر الأشياء لا بعمقها، بأشكالها لا بأفكارها، بتجلياتها لا بجذورها، يقولون: لم نعد نرى «الثياب القصيرة» و«اللحى غير المهذبة» و«الوصاية» المنفّرة على الناس، وبالتالي فقد انتهت «الصحوة»، ولم يبق لها أي دورٍ أو تأثيرٍ، وهنا نحتاج لبعض التفصيل والفرز. لقد قلّت الظواهر، نعم، ولكنها سطحيةٌ وليست بذات قيمةٍ، والظواهر والأشكال تختلف من بلدٍ إلى آخر، وكثيرٌ من رموز الإسلام السياسي من دون لحى أصلاً، وسيد قطب مثال واضح، ولا يلبسون الثياب قصيرة كانت أم طويلة، ولا يمارسون «وصاية منفرةً» بل «غسيل مخٍ» أيديولوجي، أما على مستوى الأيديولوجيا والمبادئ والأفكار فلم يتغير شيء بعد.
«الزي» كان أحد شعارات الصحوة التي اعتنى بها مؤسسو جماعات الإسلام السياسي وتنظيمات العنف الديني من حسن البنا إلى بن لادن وأبو بكر البغدادي، ولكنه في الحقيقة مظهرٌ وشكلٌ، وليس جوهراً وفكراً، والخلاف مع هذه الجماعات عميق في المبادئ والأفكار واسعٌ في الأهداف والغايات. يبدو أن أحداً لم يخبر «تنظيم داعش» بأن «الصحوة» قد انتهت، وإلا لما قاموا بعملية نوعية هاجموا خلالها سجن غويران بالحسكة السورية من الخارج والداخل، ولما نجحوا في تهجير عشرات الآلاف من البشر، ولما تجاوز عدد القتلى في ذلك الهجوم المئات، ولم ينجح في الفرار عشراتٌ من عناصر التنظيم.
بنظرةٍ سريعةٍ على الخارطة يمكن رصد نهاية «الصحوة» وانقضاء الإرهاب، ففي أفغانستان أصبح الحكم لحركة «طالبان» وفي العراق وسوريا تتحرك الأصولية والإرهاب بميليشياتٍ «صحوية» شيعية وتنظيمات «صحوية» سُنية، وفي لبنان يسيطر «حزب الله» الصحوي على البلاد، وفي اليمن تختطف «ميليشيا الحوثي» الصحوية الدولة والشعب، وجماعات الإسلام السياسي ورموزها يعملون في أفريقيا وآسيا وأوروبا والأميركيتين بكل حريةٍ. في دول الخليج التي تصنّف جماعات الإسلام السياسي إرهابيةً، في السعودية والإمارات، قلّت ظواهر «الصحوة» وتمّ بناء أولويات وطنية وإنجازاتٍ تنمويةٍ تخطف الأبصار، وزوحمت «الصحوة» وهمّشت نشاطاتها المعلنة، وخفت سطوتها وسلطتها على المجتمع، وهذه بداية بالاتجاه الصحيح ومن الخطأ اعتبارها نهايةً، وما بني في عقودٍ من الزمن لا ينتهي في سنواتٍ محدودة.
ثمة مشروعان كبيران في المنطقة يدعمان «الصحوة» على كافة المستويات ويرعيانها من «الأفكار» إلى «التنظيمات»، ومن «الأصولية» إلى «الإرهاب» وهما مشروعان توسعيان بالغا الخطورة وجزء من معركة هذين المشروعين الإقليميين للتوسع والنفوذ على حساب الدول العربية هو في إقناع الناس بأن «الصحوة» قد انتهت.
«اليسار» الغربي داعمٌ كبيرٌ ومؤثرٌ للصحوة جماعاتٍ ورموزاً، وتحالفه معها قديمٌ وهو يشكل حمايةً ورعايةً لهذه الجماعات ورموزها، وهو يزيد قوةً في العديد من الدول الغربية، وهو سعى لتمكينها من حكم الدول العربية قبل عشر سنواتٍ فقط فيما كان يعرف بـ«الربيع العربي». أخيراً، فالتنظير الصحوي للتقلّب الحربائي، وتغيير الأشكال، وأن يلبس الإنسان لكل حالة لبوسها، معروفٌ، وكثيرٌ من «الصحويين» باتوا بلحى مهذبةٍ أو بدونها، ويتحدثون عن «التنمية» و«المستقبل» بمفرداتٍ جديدةٍ لخدمة «المشروع القديم» نفسه.
* كاتب سعودي