حين يتعلق الأمر بالانتخابات، يعيش الحزب الجمهوري ويشتغل داخل قوقعة من الأكاذيب. ولهذا فإننا نعتمد على «الديمقراطيين» من أجل الحفاظ على نظام حكمنا. لكن المشكلة هي أن الديمقراطيين يعيشون داخل غرفة صدى عازلة خاصة بهم. وداخل تلك الفقاعة، تنتشر أكاذيب ومغالطات مريحة لا أحد يطعن فيها وتجعل من الصعب التركيز على الأزمة الحقيقية. وعليه، لنبدِّد في ما يلي بعض هذه الأساطير التي تشوِّه السلوك الديمقراطي.
-النظام الانتخابي برمته في أزمة. تتألف الانتخابات من ثلاث مراحل هي: التسجيل والإدلاء بالأصوات، ثم إحصاء الأصوات، فالتصديق على النتائج. وفي ما يتعلق بالمرحلتين الأوليين، فلا شك في أن النظام الأميركي له عيوبه، لكنه ليس في أزمة. وكما أشار إلى ذلك يوفال ليفن في صحيفة «نيويورك تايمز» قبل بضعة أيام، فإن التسجيل والتصويت في معظم الأماكن أصبحا أسهل بكثير مما كانا عليه قبل سنوات. وقد عرفت انتخابات 2020 الأخيرة نسبةَ مشاركة مرتفعة على نحو لافت. وتم إحصاء الأصوات من دون تسجيل أعمال غش أو تزوير عموماً.
-«حالة الطوارئ» توجد في المرحلة الثالثة، أي المحاولات «الجمهورية» لقلب الأصوات التي يتم إحصاؤها. غير أن مشروعي القانون الديمقراطيين المتعلقَين بالتصويت («قانون من أجل الشعب» و«قانون حرية التصويت») لم يخضعا لأي تغيير أو إصلاح من أجل معالجة التهديدات التي كانت واضحة منذ 6 يناير من العام الماضي. ذلك أنهما عبارة عن تدابير واسعة تغطي كل شيء، من الأصوات التي ترسل عبر البريد إلى تمويل الحملات الانتخابية، ويشملان عموماً كل الأفكار التي كانت على أجندات النشطاء منذ سنوات. مشروعا القانون هذان من الصعب شرحهما ومن الصعب تمريرهما. وبسبب سعيهم لإرضاء مجموعات المصالح الخاصة في واشنطن، أمضى الديمقراطيون سنةً في إلهاء أنفسهم عن «حالة الطوارئ» الماثلة أمامنا.
-الجهود الرامية إلى كبح الناخبين تمثّل تهديداً كبيراً للديمقراطية. بالنظر إلى التاريخ العرقي لهذا البلد، فلا شك أن الجهود التي تبذل من أجل الحد من التصويت، مثلما تفعل بعض الولايات، هي جهود شائنة للغاية. والواقع أنني أدركُ سبب رغبة الديمقراطيين في التصدي لها، غير أن ذلك ليس هو الأزمة الكبيرة التي نواجهها أيضاً، وذلك لأن تشديد قوانين التصويت لا يؤدي في كثير من الأحيان إلى عرقلة التصويت في الحقيقة. وقد انبرى أكاديميون عديدون لدراسة هذا الموضوع بشكل معمق. وفي هذا الإطار، تشير دراسة حديثة إلى أن قوانين هوية الناخب لا تؤدي إلى تقليص نسبة المشاركة. فالولايات تقوم بتشديد أو تخفيف قوانينها الخاصة بالتصويت، لكن في الغالب من دون تأثير كبير على نسبة المشاركة. وعليه، فالقاعدة العامة هي أن الأشخاص الذين يريدون التصويت يصوّتون بالفعل في نهاية المطاف.
ومثلما أن الكثير من الجهود التي تهدف للحد من نسبة الناخبين الذين يصوّتون ليس لها تأثير كبير، فإن مشروعي القانون الديمقراطيين الراميين إلى تسهيل عملية التصويت قد لا يكون لهما تأثير كبير على نسبة المشاركة أو على أي من الحزبين سيفوز.
-ارتفاع نسبة المشاركة يساعد الديمقراطيين. هذا الاعتقاد الذي يحظى بشعبية واسعة خاطئ هو أيضاً. وقد قام العالمان السياسيان دارون شو وجون بيتروسيك، مؤلفا كتاب «أسطورة نسبة المشاركة»، بدراسة 70 عاماً من معطيات الانتخابات، فوجدا أنه «لا يوجد دليل على أن نسبة المشاركة لها علاقة باختيار التصويت لهذا الحزب أو ذاك».
-أفضل طريقة لمعالجة الأزمة هي من فوق إلى تحت. ركز الديمقراطيون جهودهم على واشنطن، حيث حاولوا تمرير مشروعي القانون الكبيرين المذكورين آنفاً، واللذين من شأنهما نسخ قوانين الولايات وإملاء الكثير من الإجراءات الانتخابية من المستوى الوطني.
وبالنظر إلى الطريقة التي يتصرف بها الجمهوريون، فإنني أفهمُ لماذا يريد الديمقراطيون مَركزة الأمور. غير أنه من الغريب أن يحاجج المرء بأنه من أجل إنقاذ الديمقراطية ينبغي سحب السلطة من المسؤولين المحليين المنتخَبين. ثم إنك إذا قلتَ للناس المحليين إنهم لا يصلحون للحكم بأنفسهم، فإنك ستؤجج رد الفعل الشعبوي الغاضب أكثر. والحال أن المشكلة الحقيقية هي أن الديمقراطيين لا يركزون على الصعيدين الولائي والمحلي الأساسيين، ولا يبدو أنهم يقاتلون في السباقات المحلية المهمة بقوة. كما يبدو أنهم لا يعبّئون الجماهير حتى يدفع مشرِّعو الولايات ثمناً في حال دعموا تشريعات تُضعف الديمقراطية.
إن أزمة الديمقراطية أمامنا بالضبط. فلدينا جماعة شعبوية كبيرة جداً تعتقد أن البلاد باتت تخضع لسيطرة أوليغارشية تقدمية ساحلية تحتقرها. ونتيجة لذلك، بتنا عالقين في دوامات انقسام واستقطاب تهدِّد بتحويل أميركا إلى ما يشبه إيرلندا شمالية خلال فترة «الاضطرابات». إذ لدينا جمهوريون يسحبون السلطة من مسؤولي الولايات الشجعان الذين وقفوا في وجه التنمر الترامبي بعد انتخابات 2020.
لقد أمضى الديمقراطيون وقتاً طويلا جداً على تدابير يعتقدون خطأ أنها ستمنحهم امتيازاً. والحال أن الرد الصحيح هو: قوموا بالعمل غير الجذاب على المستوى المحلي حيث الأمور في حالة تغير مستمر. ومرِّروا الأجزاء ذات الصلة من «قانون حرية التصويت»، مثل وسائل الحماية لمسؤولي الانتخابات ضد الإزالة من أحد الحزبين، وتدابير الحد من كبح لوائح الناخبين، وأصلحوا «قانون الفرز الانتخابي» لمنع الكونجرس من إحباط التصديق على الانتخابات.
وخلاصة القول إنه عندما يشبّ حريق في بيتك، عليك أن تتوقف عن فعل ما تفعله وتسارع إلى إخماد النار. وقد يفعل الديمقراطيون ذلك أخيراً!
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
https://www.nytimes.com/2022/01/06/opinion/democrats-fail-defending-democracy.html