بالمقارنة مع تدمير مبنى «الكابيتول» من قبل البريطانيين في 1814، فإن تمرد 2021 بالكاد خلّف خدشاً. ذلك أن أي عضو في الكونجرس لم يتعرض للأذى. كما أن القبة البيضاء والقاعات الرخامية ما زالت قائمة وسليمة. وبعد ساعات على الهجوم، اجتمع المشرّعون من جديد للتصديق على الانتخابات التي أوصلت رئيساً جديداً إلى البيت الأبيض.
اليوم وبعد مرور عام كامل، باتت 6 يناير عبارة عن تدافع سياسي لمذكرات استدعاء، وجلسات استماع، ومرافعات، ومحاولات تغطية، بينما ما زال أبطال ذاك اليوم مصدومين بعمق. وفضلاً عن ذلك، فإن هؤلاء الأبطال يعانون من نقص الموظفين، ويشعرون بالإنهاك، ولم يتعافوا بعد من الصدمة – إلى حد كبير. وبالنسبة لـ140 ضابط شرطة ممن تعرضوا للدهس والضرب والصعق بوساطة مسدسات صاعقة والجرح والدفع والسحب والرفس وهم يدافعون عن مقر برلمان الأمة من المتمردين قبل عام، فإن واحداً من أحلك أيام أميركا لم ينتهِ مع غروب شمس ذاك اليوم.
لقد كان يوم 6 يناير فظيعاً بالنسبة لهم. ولكن كذلك كان أيضاً 7 يناير و12 يناير و17 أبريل و4 نوفمبر وأي يوم آخر لم يستطيعوا التخلص فيه من ذكريات ما حدث في ذاك اليوم. والعديد منهم يشعرون الاكتئاب والقلق والغضب والحزن. وقد أقدم أربعة منهم على الانتحار.
وتقول عضو مجلس النواب جينيفر ويكستون، «الديمقراطية» عن ولاية فرجينيا، والتي كان ابن دائرتها الانتخابية هاورد ليبنغود واحداً من ضباط شرطة الكابيتول الذين خاضوا على مدى أربع ساعات معركة لحماية مبنى الكابيتول: «لقد تُركوا هناك من دون موارد أو إمكانيات». وقد أقدم ليبنغود على الانتحار بعد ذلك بثلاثة أيام.
وتقول ويكستون إن المتمردين ذهبوا إلى هناك محاولين «نهب مكتب البرلمانية ولكنهم لم ينجحوا». غير أن ذلك النصر كان له ثمن. ونقيبة شرطة الكابيتول كارنيشا ميندوسا انتقلت في ذلك اليوم من تناول وجبة مع ابنها البالغ من العمر 10 سنوات إلى دخول الجحيم.
وقالت في شهادة أدلت بها في الكونجرس في وقت لاحق من تلك السنة: «من بين أحداث كثيرة شهدتها في مساري المهني الممتد على مدى 19 عاماً، كان ذلك أسوأ الأسوأ حتى الآن».
وأضافت تقول: «كان يمكن أن يكون معنا في ذاك اليوم 10 أضعاف الأشخاص الذين كانوا يعملون معنا، ولكنني أعتقد أن المعركة كانت ستكون مدمِّرة بالقدر نفسه».
عندما اتصلتُ بها، قالت إنها لا تريد أن تعيش ذكريات ذاك اليوم مرة أخرى: «إنني أمضي الوقت في الكتابة وأمضي الوقت في رفع الأثقال، وكلاهما مفيدان لصحتي الذهنية».
ضباط شرطة آخرون كانوا جد متأثرين نفسياً في الشهادات التي أدلوا بها للمشرِّعين بشأن ما بعد الكارثة.
وقد قام اثنا عشر ضابطاً على الأقل من شرطة الكابيتول وشرطة العاصمة واشنطن برفع دعاوى قضائية ضد الرئيس السابق دونالد ترامب لم تصف الهجمات فحسب - التعرض للضرب بوساطة الصواري، والعلوق في نفق والتعرض للمحاصرة، والتعرض للرش بكمية كبيرة من بخاخ كيماوي في الوجه لدرجة أن المرء يظل يتقيأ – ولكن أيضاً الصدمة المستمرة التي ما زالوا يشعرون بها أثناء عملهم في الكابيتول.
وعلى سبيل المثال، فإن «بوبي تابرون» ضابط الشرطة في واشنطن العاصمة «يعاني من حالة شديدة من الأرق، وعندما يتمكن من النوم، كثيراً ما يعاني من الكوابيس ورعب ليلي يكافح فيه من أجل حياته ضمن ما يبدو أشبه بنهاية العالم».
ثم إن معظم ضباط الشرطة الذين نجوا اضطروا لارتداء زيهم الرسمي والعودة مباشرة من أجل العمل في اليوم التالي. ثم مرة أخرى، ثم مرة أخرى.
كنتُ هناك في ذاك اليوم أيضاً. وكنتُ أشعر بقلق وتوتر لأيام بعد أن سُحقت في الزحام بين الحشود. ولكن كان علي أن أذهب إلى البيت وأكتب، بينما كان على ضباط الشرطة أن يعودوا إلى مشهد أسوأ كوابيسهم في كل مرة يسجّلون فيها دخولهم. ثم إنهم فعلوا ذلك ليس عندما كانت البلاد تشيد بدفاعهم الناجح عن الديمقراطية، ولكن عندما كانت تستحضر إخفاقات ذاك اليوم.
ولكن كان ينبغي عليهم توقع حدوث ذلك. ذلك أن الشوارع كانت تعجّ بالمركبات التي ترفع أعلام ترامب، والفنادق كانت محجوزة عن آخرها، ووسائل التواصل الاجتماعي كانت تشتعل بمنشورات حول مخططات المحتجين للنزول إلى واشنطن. وكان ترامب قد وعد الجميع بأن الأمر سيكون «جامحاً». والحال أن 195 ضابطاً فقط من شرطة الكابيتول البالغ قوامها 2000 رجل هم الذين كانوا يعملون في ذاك اليوم في محيط المبنى الرئيسي. والسياج الواقي من أعمال الشغب الذي كان يحيط بالبيت الأبيض خلال احتجاجات حركة «حياة السود مهمة» لم يكن هناك شيء مثله بالقرب من مبنى الكابيتول، الذي لم يكن محمياً سوى بحواجز شرطية بسيطة.
«لقد سُحقوا مهنياً كونهم لم يكونوا مستعدين، ولم يكونوا جاهزين»، كما يقول تيرانس غينر، وهو رئيس سابق لشرطة الكابيتول. كان يتحدث مع بعض الضباط الذين كانوا موجودين في ذاك اليوم. ويضيف قائلاً: «لقد سمعت الكثير منهم يقولون:«إنني أشعر بأنني خيّبتُ أمل الجميع».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»