أرقام التأييد لجو بايدن تواصل انخفاضها. والأميركيون، وبينهم كثيرون ممن صوتوا له، ليسوا راضين عنه. إنهم يريدونه أن يكون شخصاً آخر. وقد يظن البعض أن الأميركيين أخطأوا الحكم على الرجل الذي أتوا به إلى البيت الأبيض. لكني لا أؤيد وجهة النظر هذه. فأميركا لم تخطئ الحكمَ على بايدن، فهو الشخص الذي قال إنه سيكون عليه في منصب الرئيس. لكن أميركا أخطأت الحكم في نوع القائد الذي تريده في هذه اللحظة.
كان لمعظم «الديمقراطيين»، العام الماضي، هدفٌ واحد هو التخلص من دونالد ترامب. لقد كان ينحدر بالبلاد وربما يدمرها. كنا نعيش جميعاً في دوامة فوضى. فكل صباح نستيقظ على جحيم جديد، ونسأل عما فعله وقاله ومدى احتمالنا للمزيد. شعرنا لبعض الوقت بأننا في علاقة مسيئة. وأردنا التخلص منها وآن لنا أن نشعر بالراحة. وكان بايدن يبدو لكثيرين هو الرجل الذي سيحقق لنا هذا ويخفف قبضة ترامب الخانقة على مجتمعنا. وخشي الديمقراطيون استغراقَ وقت طويل في اختيار مرشحهم؛ لأن هذا كان يبدو خطيراً.
ولذا استقررنا على اختيار رجل الدولة المتقدم في السن، الرجل الأبيض المستقيم والوسطي، ليس شديد الحمية وليس شديد البرود، بل وسط بين ذلك. إنه «رجل الوحدة» الذي سيستعيد دعم الفئة السحرية في عالم السياسة، وهم ناخبو الطبقة العاملة من البيض الذين أيدوا باراك أوباما في أحد الانتخابات ثم أيدوا ترامب في الانتخابات التالية. وأقام بايدن حجتَه على القدرة على الفوز في الانتخابات والوسطية وليس على إحداث تحول، والناخبون راقهم هذا. وحين تولى المنصب، صرحت النائب ليزا بلنت روتشستر التي كانت ترأس حملَتَه الانتخابية، لصحيفة «نيويورك تايمز»، بأن الرئيس يطرح نوعاً من «الحسم الهادئ».
وربما يكون الحسم الهادئ هو شعار عمل إدارة بايدن الذي حقق بعض النجاحات والأنباء الجيدة، لكن الأميركيين يواجهون الآن فيروساً يأبى التلاشي وتصاعداً في التضخم وتشريعات تقدمية يجري تجميدها مثل مشروع إعادة البناء الأفضل أو يجري التخلي عنها مثل تشريع إصلاح الشرطة الاتحادية الذي تقدم به السناتور كوري بوكر. وهناك لجنة من الكونجرس تحقق في تمرد السادس من يناير، وهناك محامون يسعون وراء ترامب وحملته وأسرته وشركاته، لكنه لم يخضع للمساءلة بعد عن تجاوزاته الكثيرة، ويرجح أن يخوض السباق الرئاسي لعام 2024.
والواقع أن إدارة بايدن تحتاج إلى قدر من الحيوية الملفتة للانتباه. وتعتقد الإدارة أنها إذا واصلت العمل في صمت، فستحظى بالتقدير. لكن العالم لم يعُد يسير على هذا النحو، ليس في الوقت الحالي، وليس بعد ولاية ترامب. فإذا ترك المرء مكبر الصوت جانباً، فسيستخدمه شخص آخر. الصمت يخلق فراغاً يستدعي من يملؤه. فقد ذكرت صحيفة «بوليتكو»، في أكتوبر الماضي، أن بايدن شارك في 10 مقابلات فحسب، وجهاً لوجه مع مضيف، في الشهور التسعة الأولى من رئاسته. وأضافت الصحيفة أن هذا «ملمح مميز للبيت الأبيض» في ظل إدارة بايدن. وأضاف الموقع أنه «في مثل هذه المرحلة من الرئاسة، كان باراك أوباما قد شارك في 131 مقابلة وشارك دونالد ترامب في 57 مقابلة (منها 16 مقابلةً مع فوكس نيوز)».
وبايدن لم يكن متحفظاً دوماً هكذا. فقد أشارت بوليتكو إلى أنه كان أكثر إقبالاً على الحديث أيام كان نائباً للرئيس حين شارك في مثلي هذا الرقم من المقابلات بحلول أول أكتوبر له في منصب نائب الرئيس، وأحياناً كان يحل ضيفاً على البرامج الصباحية لكل شبكات الأنباء الثلاث في يوم واحد. أما الآن، فتقتصر تغطية البيت الأبيض غالباً على رسائل المندوبين. بل هناك تصور يترسخ بأن الرئيس ليس منتج في صمت، بل بلا صوت وليس لديه ما يقوله. وتوصل استطلاع جديد للرأي لشركة «مورنينج كونسالت» وصحيفة بوليتكو إلى أن قسطاً كبيراً من الناخبين المسجلين (بنسبة 42%) يقولون إن بايدن حقق أقل مما كانوا يتوقعون. وأكثر من ربع «الديمقراطيين» لديهم هذا الشعور.
بايدن الآن هو نفسه الرئيس الذي كان في حملته. لكن الظروف في الواقع من حوله تغيرت، وتغير معها ما يريده الأميركيون من زعيمهم. ويتعين على بايدن أن يتغير مع ما يريده الأميركيون. يتعين أن يكون الرئيس التي تحتاجه أميركا في ديسمبر 2021 وليس الرئيس الذي كانت تحتاج إليه في ديسمبر 2020. وعلى الرغم من خيبات الأمل السياسية الحقيقية في الأشهر القليلة الماضية، وخاصة فيما يتعلق بحقوق التصويت، فإن عام بايدن الأول في المنصب بعيد عن الفشل. لكن هناك تصور بديل ينمو في عقول الناخبين وبايدن نفسه لا يصنع إلا القليل ليقضي على هذا التصور. يتعين على بايدن تغيير هذا التصور. وأول خطوة على هذا الطريق تتمثل في وجود أكبر في الإعلام. والموافقة على إجراء مقابلة مع ديفد مير من شبكة «أيه. بي. سي.» في البيت الأبيض، تمثل بداية، لكنّ ظهوراً إعلامياً واحداً لن يصحح هذا الموسم من التراجع في الشعبية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويرك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2021/12/22/opinion/wheres-joe-biden.html