جاء في دراسة نشرتها مؤخراً مجلة «فورين بوليسي» حول التنافس بين الولايات المتحدة والصين للهيمنة على العالم، أن سياسة بكين القائمة على العلاقات الاقتصادية مع الدول، لها قدرة على الاستمرار لمدة أطول من سياسات واشنطن المبنية على التحالفات العسكرية.
والذي يظهر لي أن التحالفات العسكرية والعلاقات الاقتصادية هما عاملان لمعادلة توازنية واحدة بالنسبة للدول العظمى، وستصبحان أهم محددات الفترة المقبلة التي ستطبع العلاقات في النظام العالمي الجديد. قارن معي: الصفقات التي أبرمتها روسيا مع الهند منذ أسابيع خلت، وهي تهديد جوهري لاستراتيجية الولايات المتحدة في مواجهة توسع روسيا والصين في الشرق الأوسط وما وراءه. فقد أبرمت موسكو ونيودلهي حزمةً من الاتفاقيات الدفاعية والاقتصادية، ومن ضمنها صفقة تقوم بموجبها شركة «روس نفط» الروسية بتوريد نحو 15 مليون برميل من النفط الخام إلى الهند في سنة 2022. وستشكل الهند الحصةَ الأكبر من نمو الطلب على الطاقة خلال العقدين المقبلين، كما أن زيارة الرئيس الروسي إلى الهند تتعارض مع توقعات الولايات المتحدة حول مدى نجاح استراتيجيتها المضادة للصين وروسيا.
المهم من هذا المثال هو أنه لا يمكن لأميركا ولا للصين ولا لروسيا التموقع والريادة في النظام العالمي من دون تحالفات عسكرية واقتصادية في نفس الوقت، خلافاً لما جاء في تقرير المجلة الأميركية سالف الذكر.
ومنذ سنوات، تقوم الصين بإنشاء طرق حرير جديدة، وأصبح هذا البرنامج الاستثماري الضخم في البنية التحتية بمثابة السياسة الكبرى للدولة الصينية.. ففي القارة الأفريقية مثلا، لا تبني الصين طرقاً فقط، ولكنها تُكون صداقات وتحالفات عسكرية، وتعتمد على الاستثمار في بناء رأس المال الاجتماعي والبشري.
وتشير دراسة أجرتها «وكالة ماكنزي الأميركية» إلى أن أكثر من 1000 شركة صينية تعمل حالياً في أفريقيا كما أن بعض المصادر تتحدث عن 2500 شركة، 90 بالمائة منها شركات خاصة. كما لا يخفى على المتتبعين الاستراتيجيين التواجد العسكري في أفريقيا، فقد سبق وأن أرسلت الصين بارجتين بحريتين إلى القرن الأفريقي، وبالتحديد إلى جيبوتي حيث تملك قاعدة عسكرية ولوجيستية هناك.. وما يزيد على 400 عسكري أضحوا يتواجدون في هذه القاعدة لتأمين طرق الملاحة في القرن الأفريقي على مستوى خليج عدن والقرن الأفريقي.
لقد استطاعت الصين فهمَ العولمة والانخراط في قواعدها بذكاء ونجاح، وهي تقول: إن أي نجاح اقتصادي تحققه دولة لا يعني بالضرورة فشل الدول الأخرى أو حملها على الفشل في إطار ثنائية «صديق-عدو»، وإنما هي تعمل في إطار «رابح-رابح» win-win.. فهذا هو سر نجاح الصين اليوم، وقد بدأت تطعّم هذا النجاح بتحالفات عسكرية لم يكن الاستراتيجيون الأميركيون يتخيلونها يوماً من الأيام، وهو ما يعقّد سياسة الاحتواء الأميركي للتمدد الصيني في العالم.
أكاديمي مغربي