الهند وأوميكرون
بدأت الهند بداية بطيئة في برنامجها الخاص بالتلقيح، وبعد ذلك، تعرضت لموجة ثانية مدمرة من كوفيد- 19 في شهري أبريل ومايو من هذا العام. ومنذ ذلك الحين، تقدمت الحكومة بطلبيات للحصول على اللقاحات المعتمَدة، وأوقفت كل الصادرات من أجل تعزيز برنامج التلقيح، وتم اعتماد ما مجموعه ثلاثة لقاحات من أجل الاستخدام بما في ذلك «أسترا زينيكا»، و«كوفاكسين»، واللقاح الروسي «سبوتنيك». وفي غضون الستة أشهر الماضية، كان هناك تسريع لبرنامج التلقيح، إذ لُقِّح 50 في المئة من السكان بكلتا الجرعتين في البلاد. وتدريجياً أضحت اللقاحات التي كان من الصعب الحصول عليها في البداية، سهلة المنال في وقت ازداد فيه إقبال الناس على تلقيها خوفاً من موجة ثالثة.
والأسبوع الماضي، أعلن معهد الأمصال الهندي، الذي ينتج لقاح «أسترا زينيكا» تحت اسم «كوفيشيلد»، اعتزامه خفض إنتاجه إلى النصف مؤقتاً إلى حين ارتفاع الطلب من جديد، وذلك لأن الشركة لم تتلقَ أي طلبيات جديدة من الحكومة الهندية، والطلب من برنامج التلقيح العالمي «كوفاكس» منخفض. ويذكر هنا أن معهد الأمصال الهندي أنتج 250 مليون جرعة لقاح، وأن «كوفيشيلد» يمثّل نحو 90 في المئة من اللقاحات المستخدمة في الهند.
التلقيح السريع أصبح مهماً للغاية في وقت يتفشى فيه متحور أوميكرون بسرعة في بلدان أخرى. ومما لا شك فيه أن جهوداً كثيرة بُذلت من أجل تقليص تردّد الناس في أخذ اللقاح، وأن الإدارات تبذل قصارى جهدها لضمان تلقيح الفئات السكانية المؤهلة لأخذ اللقاح.
ومن ذلك خلق قصة إيجابية حول تلقي اللقاح، أو تقديم تحفيزات لتشجيع الناس على تلقيه، إضافة إلى محاربة انتشار الأخبار الزائفة، أو الإشاعات التي تدّعي أن اللقاحات تسبب العقم وما شابه. فقد تم تعقب الأشخاص الذين يروّجون لرسائل بهذا الشأن على «واتساب» ضمن الجهود الرامية لمكافحة انتشار الأخبار الزائفة التي تثني الناس عن تلقي اللقاح.
وعبر الهند، استُخدمت تحفيزات من أجل تشجيع الناس المترددين في تلقي اللقاح. ففي ولاية تاميل نادو الهندية الجنوبية، مثلاً، نظمت الإدارة عمليات سحب على جوائز من قبيل آلات غسيل، وخلاطات وطناجر ضغط للأشخاص الذين تلقوا اللقاح. وفي ولاية غوجرات، وافق صاغة ذهب على إهداء حلقات أنف من ذهب للنساء وخلاّطات يدوية للرجال في حملة تلقيح هناك.
وفي ولاية هاريانا الهندية الشمالية، التي سجّلت واحداً من أدنى معدلات التلقيح قبل عامين، يقدّم صيادلة حسماً قدره 10 في المئة للأشخاص الذين تلقوا جرعتين من اللقاح، وخوذات مجانية خاصة بالدراجات النارية لمن تلقوا جرعتين من اللقاح. الهند، المعروفة بقدرتها التصنيعية في المجال الصيدلي، كانت قد كشفت عن برنامج طموح لتصدير اللقاحات في وقت سابق من السنة. ولكن الموجة الثانية من الوباء دفعتها إلى تغيير رأيها في وقت حظرت فيه الحكومة الهندية صادرات اللقاحات من أجل تقوية برنامج تلقيحها الداخلي.
واليوم، استُؤنفت الصادرات بعد أن استطاعت البلاد تلقيح جزء أكبر من السكان، غير أنه منذ رفع القيود، ظلّت صادرات الهند من اللقاح متدنية. وفي ديسمبر، صدّرت الهند لقاحات إلى بنجلاديش، ونيبال، والعمال الصحيين التابعين للأمم المتحدة، وكمبوديا، ورواندا، وموزمبيق، وإندونيسيا.
غير أنه ما زالت لدى الهند تحديات اكتست طابعاً استعجالياً بسبب عدد من إصابات أوميكرون. فحتى الآن، سجّلت الهند 213 إصابة بهذه السلالة شديدة العدوى. وقد عمدت العاصمة دلهي، التي رصدت 57 إصابة، إلى منع كل التجمعات التي كانت ستقام للاحتفال بعيد الميلاد ورأس السنة الجديدة. كما حظرت كل الفعاليات الثقافية والتجمعات الأخرى. ولم تقرر البلاد شيئاً بعد بشأن الجرعات المعززة ولقاحات الأطفال الذين يظلون فئة هشة من المجتمع. وفضلاً عن ذلك، ما زال يتعين على البلاد أن تلقّح بشكل كامل بقية السكان.
وكان وزير الصحة الفيدرالي أعلن الشهر الماضي أن أكثر من 120 مليون شخص حصلوا على الجرعة الأولى من اللقاح، ولكنهم لم يعودوا من أجل تلقي الجرعة الثانية. كما أن نحو 140 مليون شخص فوق سن 45 عاماً لم يحصلوا بعد على جرعة واحدة أو جرعتين من اللقاح. وبالطبع، هذه كلها تحديات تواجه البلاد، والحال أنه ليس هناك مجال للتراخي في هذه المرحلة في وقت ما زال فيه العالم يكافح متحورات كوفيد- 19. ولئن كانت الحكومة قد أخذت تركز على سبل كبح انتشار أوميكرون، فإن السلطات الإدارية حذّرت السكان من القيام بالسفر إذا لم يكن ضرورياً.
وفي الأثناء، أخذت المستشفيات تحضّر أجنحة خاصة بمرضى كوفيد- 19 من جديد، رغم أن أعداد المصابين بكوفيد- 19 في الهند لم ترتفع بشكل حاد. ولكن تفشيه في أوروبا أوجب الحذر في الهند. والمداولات جارية داخل الحكومة بشأن إعطاء الجرعة المعززة في ظل تقارير في وسائل الإعلام الهندية تفيد بأن خبراء يرون أن الجرعة المعززة ينبغي أن تكون مختلفة عن اللقاحات التي أُعطيت حتى الآن. ومع ارتفاع حالات الإصابة بأوميكرون في بلدان مختلفة، لا يستطيع أي بلد الادعاء بأنه في مأمن. والأكيد أن الهند في حاجة إلى مواصلة برنامج تلقيح قوي حتى تتفادى موجة أخرى من الوباء.
* رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي