بالنسبة لملايين كثيرة من الأشخاص عبر العالم، يمثّل «موسم الأعياد» من نهاية نوفمبر إلى السنة الجديدة وقتاً لالتئام التجمعات العائلية، وتناول الكثير من الطعام والمشروبات، وتقديم الهدايا والتمنيات بأوقات أجمل مستقبلاً. عيد الميلاد وليلة رأس السنة هما أبرز مناسبتين يحتفل بهما الناس في هذه الفترة. وخلال الأسابيع التي تسبق عيد الميلاد، عادة ما تنخرط الأسر والمكاتب والمؤسسات في كثير من القصف والاحتفال. ولهذا، فإن قطاعات الترفيه والسفر والبيع بالتجزئة تعتمد على أكثر من 20 في المئة من عائداتها السنوية خلال هذه الفترة وبالتالي جزء كبير من أرباحها للعام المقبل.
خلال العامين الماضيين، أفسد كوفيد- 19 موسم الأعياد في وقت كانت كافحت فيه الحكومات من أجل خلق توازن بين القرارات التي تقيّد حركة الناس من أجل الحد من انتشار الفيروس، من جهة، ورغبة المواطنين والأعمال التجارية في الاحتفال، من جهة ثانية. غير أنه طيلة فصلي الصيف والخريف، كان الأمل هو أن تختتم 2021 بموسم أعياد مزدهر من أجل التعويض عن شهور طويلة من الإغلاق. وركزت الأخبار الاقتصادية بشكل متزايد على اختناقات سلسلة الإمداد بسبب ارتفاع الإقبال على السلع الاستهلاكية وخاصة في الولايات المتحدة. هذه المؤشرات كانت مصحوبة بتخوفات بشأن التضخم الذي ارتفع في الولايات المتحدة إلى مستويات لم يُرَ لها نظير منذ أوائل عقد الثمانينيات، ولكن هذا الخبر لم يؤثر في سوق الأسهم العالمية التي استمرت في الارتفاع إلى مستويات غير مسبوقة.
وبعد ذلك، وبشكل مفاجئ خلال الأسبوع الأخير في شهر نوفمبر، أشارت بيانات من جنوب أفريقيا إلى اكتشاف متحور جديد شديد العدوى من الفيروس سمي «أوميكرون». ووفق الأدلة المتاحة، فإن هذا الأخير يمتاز بتحسن دراماتيكي في القدرة على الانتشار بسرعة على الرغم من عدم وجود أدلة غير كافية على ما إن كان أكثر إماتة من متحور دلتا الأكثر انتشاراً.
وبمجرد انتشار الخبر، أصيبت كثير من البلدان بالذعر وعمدت إلى حظر السفر على نحو مجحف من جنوب أفريقيا وإليها. وبحلول منتصف ديسمبر، كان أوميكرون قد انتشر عبر العالم، حيث سُجلت إصابات كثيرة في أوروبا والولايات المتحدة تحديداً، في الوقت الذي كانت فيه موجة الإقبال على التبضع والسفر بمناسبة موسم الأعياد قد بدأت للتو. وليجد الزعماء السياسيون أنفسهم أمام اختيار صعب للغاية: إما الانخراط في إغلاقات دراماتيكية والتسبب في اضطراب وتعطيل تام لموسم الأعياد، أو المسارعة إلى توسيع عمليات الفحص والمرافق الصحية استعداداً للانتشار الحتمي للفيروس.
التفشي الجديد يأتي في وقت دقيق بشكل خاص لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون. فهذا الأخير كان مؤيداً بشدة للمضي قدماً في تنظيم احتفالات موسم الأعياد المعتادة. غير أن مستشاريه الصحيين الذين يحظون بالتقدير والاحترام أوصوا بضرورة الاستعداد لبحث إمكانية إغلاقات أخرى من أجل الحد من الاتصالات الاجتماعية حتى السنة الجديدة، بما في ذلك فرض قيود على تناول الطعام والاحتفال الجماعيين في الكثير من المؤسسات السياحية العامة التي تستعد لإقبال الزبائن خلال هذه الفترة. ونتيجة للرسائل المختلطة بشأن القواعد الجديدة، اندلعت احتجاجاتٌ واسعة في الشوارع في بلدان أوروبية مثل بريطانيا وهولندا وألمانيا وفرنسا.
وما زال من المبكر جداً إعطاء تقديرات بشأن تأثيرات أوميكرون على المدى الطويل، نظراً لأن هناك بعض الأدلة التي بدأت تظهر على أنه إذا كان المتحور الجديد شديد العدوى، فإن قدرته على قتل المصابين به قد تكون أقل خطورة مما كان يُخشى منه في البداية. وعلاوة على ذلك، إذا كان الارتفاع في حالات الإصابة بالفيروس الذي سُجل في بداية الجائحة قد شكّل عبئاً ثقيلاً على المرافق الصحية العامة، فإن العديد من البلدان باتت مستعدة بشكل أفضل للتعاطي مع الأزمة بفضل اللقاحات ومرافق الفحص وازدياد الوعي العام بفوائد ومزايا ارتداء الكمامات والحفاظ على التباعد الاجتماعي. وتشير البيانات حتى الآن إلى أن معظم الأشخاص الذين يُعتبرون في حالة صحية هشة يظلون هم أولئك الذين رفضوا لسبب أو لآخر فرصة تلقي جرعات اللقاح والجرعة الثالثة المعززة الموصى بها.
غير أنه إذا أدى أوميكرون إلى عدد أقل بكثير في ما يتعلق بالوفيات وحالات دخول المستشفى من أجل تلقي العلاج، فإن ذلك قد يعني أن الاقتصاد العالمي سيستأنف قريباً نموه. ولا شك أن ذلك سيمثّل مكافأة ضرورية بالنسبة للرئيس الأميركي جو بايدن المحاصَر بالتحديات، الذي سيكون في حاجة إلى كل الحظ الذي يمكن أن يحصل عليه حتى يتفادى حزبه هزيمة في انتخابات نوفمبر 2022 النصفية.
مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونل إنترست» في واشنطن