جاء تقرير الوظائف في الأيام القليلة الماضية مثيراً للحيرة. مكتب إحصاءات العمل يجري مسحين منفصلين، أحدهما على أصحاب العمل والثاني على الأسر. ونتوقع عادة أن يرسم المسحان صورة مشابهة. لكن هذه المرة، لم يتحقق هذا كثيراً. فقد كان المسح على أصحاب العمل مخيباً للآمال. فقد أُضيف 210 آلاف وظيفة وهو رقم محترم، لكنه لا يوافق ما كان يأمله كثيرون. والمسح على الأسر كان رائعاً، وخاصة بالنسبة لمعدل التوظيف للراشدين في ذروة سن العمل- وهو معيار رئيسي لصحة سوق العمل- حيث بدأ يقترب من مستويات ما قبل الجائحة.
حسناً، لا يمكننا استنتاج الكثير من عدم الاتساق الواضح في التقرير. فضوضاء البيانات من الأمور التي تحدث. والصورة الاقتصادية إجمالاً تبدو جيدة إلى حد كبير.
والواقع أن هذا يبدو، على عدة أنحاء، أفضل تعافٍ اقتصادي في عقود كثيرة. لكن المستهلكين يشعرون بالإحباط الشديد، أو هذا على الأقل ما تخبرنا به عمليات مسح مثل مسح ميشيجان الشهير. ومن الواضح أن هذا التصور عن اقتصاد سيئ يؤثر سلباً على معدلات التأييد للرئيس جو بايدن. وهذا يثير سؤالاً: هل المستهلكون على حق؟ أليس هذا اقتصاداً سيئاً رغم البيانات التي تظهره بأنه جيد جداً؟ وإذا لم يكن اقتصاداً سيئاً، فلماذا يقول الجمهور إنه سيئ؟
وكي أكون واضحاً، أريد حقاً معرفة الإجابة على هذه الأسئلة. لا أعتقد أنها حالة خام عن «شعب تكذب عليه مؤسسات الإعلام» لكن إذا سألتني، أقول إنه من السخف أن يرفض العاملون في الإعلام في استعلاء أي إشارة إلى مدى تأثير طريقة تغطيتهم للاقتصاد على تصور الجماهير عن الاقتصاد. فإذا لم يكن لتغطيتهم تأثير، فلماذا يكبدون أنفسهم عناء التغطية؟ فما الذي يجري؟ لنبدأ بالجاني الواضح: إنه التضخم الذي يتصاعد حقاً بأكثر مما حدث منذ عقود.
فارتفاع الأسعار قلص بالتأكيد مكاسب كثيرين من العمال رغم أن الدخل الشخصي الحقيقي للفرد مازال أعلى من مستواه السابق على الجائحة، رغم أن الحكومة لم تعد توزع الكثير من الأموال. وشعوري هو أن التضخم له تأثير سلبي على الثقة حتى في وقت تواصل فيه الدخول تصاعدها، لأنه يخلق تصوراً لخروج الأمور عن نطاق السيطرة.
وهذا يعني أن عمليات المسح عن التضخم توضح أيضاً نقطة ربما تكون فيها الأسئلة التي يجيب عليها المستهلكون ليست هي تلك التي يعتقدون أنها طُرحت عليهم. ومن الملاحظات الراسخة، وهي تقريباً نكتة شائعة، أن رقم «التضخم المتوقع» من عمليات (مسح ميشيجان) هي، في الممارسة، سعر البنزين أساساً. فما الأسئلة التي يجيب عنها الناس حين يُسألون عن حالة الاقتصاد؟ ومن النقاط التي توضح الصورة أن هناك كماً لا يصدق من التفاوت على أساس الحزب في الإجابات. فمن الغريب أن يقول «الجمهوريون» إن الأحوال الاقتصادية الحالية أسوأ بكثير عما كانت عليه في مارس 2019، حين كان الاقتصاد يخسر 800 ألف وظيفة في الشهر.
والنقطة المرشدة الأخرى هي أن المرء يحصل على إجابات مختلفة حين يسأل الناس قائلاً «كيف حالكم؟» وليس «كيف حال الاقتصاد؟» فمؤشر «لانجر لثقة المستهلك» يسأل الناس عن الاقتصاد القومي، وتقييمهم بائس له، ويسألهم عن وضعهم المالي الشخصي، وتقييمهم في هذا مرتفع بمعايير تاريخية. أما عمليات مسح ميشيجان فإنها لا تطرح الأسئلة نفسها تماماً، بل تسأل عن وضعهم المالي الحالي مقارنة بما كان عليه قبل خمس سنوات، و63% منهم يقولون إنهم أفضل حالاً، وهي النسبة نفسها التي كانت في سبتمبر عام 1984، قبل تحقيق رونالد ريجان فوزاً كاسحاً.
وبعيداً عما يقوله الناس، فمن المؤكد أنه من المعقول رصد ما يفعلونه. فلو كان المستهلكون في ضيق كما تشير الأرقام عن المزاج، فلماذا ترتفع مبيعات البيع بالتجزئة؟ وإذا تحولنا من المستهلكين إلى الشركات، نرى تصاعداً هائلاً في الإنفاق الرأسمالي. وهذا يعني أن الشركات تستثمر كما لو أنها ترى اقتصاداً مزدهراً وتتوقع استمرار هذا الازدهار. وباختصار، التقييم شديد السلبية من الجمهور للاقتصاد يتعارض مع كل مؤشر قد يفكر فيه المرء. فما الذي يحدث؟ كما قلت، جانب من الإجابة يتعلق على الأرجح بأن التضخم يثير قلق الناس رغم تصاعد دخولهم. وهذا قد يصح بشكل خاص حين يكون هناك زيادات كبيرة في الكلفة التي يتكبدها المرء في ملء خزان وقود سيارته، وهي كلفة تزيد نفسياً بفارق كبير عن زيادتها الفعلية التي تمثل 4% في مؤشر أسعار المستهلك.
والتحزب يمثل عاملاً بلا شك. فثلثا «الجمهوريين» يعتقدون أن انتخابات 2020 سُرقت، فلا عجب أن يعتقدوا أن اقتصاد بايدن مروع مهما يكن من أمر خبرتهم الشخصية. وأخيراً، وكما قلت أيضاً، ليس من المستساغ أن نؤكد أن نبرة التغطية الإعلامية لا صلة لها بالأمر. وهذا ليس بالضرورة شأناً متعلقاً بالتحزب.
إنني أدور في فلك زاخر بالمعلقين الاقتصاديين الذين أنفقوا أعواماً يحذروننا من شرور التضخم وشعروا بإحباط شديد حين لم تقع كارثتهم المأمولة قبل عقد من الزمن. والآن جاءت فرصتهم، ومن المؤكد أن لهم بعض التأثير على تصورات الجمهور. ومن المهم أن يكون لدينا تصور. والواقع إنه اقتصاد جيدا جداً، رغم بعض المشكلات، ولذا لا تدع المنذرين بيوم القيامة يخبرونك بغير هذا.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2021/12/09/opinion/economy-inflation-spending-jobs.html