تعلمون أن هناك انفصالاً بين الحالة الحقيقية للاقتصاد وبين صورته في وسائل الإعلام الرسمية، أي الفجوة التي تتشكل عندما يبدأ المراسلون في إعداد تقاريرهم وتغطياتهم حول حالة الاقتصاد.
في الأسبوع الماضي، قام مدير المجلس الاقتصادي الوطني الأميركي، بريان ديز، بزيارة لغرفة الإحاطة بالبيت الأبيض، لشرح ما يجري. وفي معرض حديثه عن انخفاض معدل البطالة إلى 4.2%، قبل ثلاث سنوات على الموعد المتوقع لذلك، قال للصحفيين: «لقد شهدنا تطورات قوية جداً في سوق العمل، وتقترن هذه التطورات في سوق العمل بتطورات قوية في النمو الاقتصادي الكلي وفي دخل الأسرة وفي الطلب». وأضاف أن «الدخل الحقيقي للأسرة الأميركية النموذجية الآن أعلى مما كان عليه قبل الجائحة بحوالي 350 دولاراً شهرياً، بالقيمة الحقيقية، وهو ما يفسر ارتفاع الأسعار والتضخم».
وأظهرت بيانات حكومية حديثة زيادةً بنسبة 6.8% في التضخم مقارنة بالعام الماضي، مما يعزز الرواية الإعلامية بأن كارثة اقتصادية على وشك الحدوث. لكن في كثير من الأحيان، كان على المرء أن يقرأ أكثر حول التغطيات المطبوعة والإلكترونية ليرى أن التضخم ارتفع بنسبة 0.8% من أكتوبر إلى نوفمبر، مقارنةً بالارتفاع بنسبة 0.9% الشهر السابق. كان من المستحيل فعلياً تحديد المحاذير التي قدمها «ديز» في إحاطته، مثل تراجع أسعار الغاز (بانخفاض 9 سنتات، على المستوى الوطني، بحسب ما قال) وكذلك أسعار الشحن والغاز الطبيعي والسيارات المستعملة.
لا تتوقع أن تعبّر وسائل الإعلام عن الفروق الدقيقة أو أن تكتب أن «الاقتصاد قوي جداً، في الواقع». وحتى لو انحسر التضخم بعد عام من الآن، فلا تتوقع أن تنتهي تغطية عنوانها «الرئيس بايدن في خطر! والديمقراطيون محكوم عليهم بالفشل!».
إن المهمة الحالية للإدارة هي إيجاد طريقة لاختراق الضجيج الإعلامي بطريقة موثوقة. وهذه المهمة تحتاج إلى أدوات، لكن ثرثرة الرئيس، وميله إلى اللجوء إلى قوائم طويلة من البنود في مشروع إعادة البناء بشكل أفضل (بي بي بي) وإلهاءات السياسة الخارجية كلها تعيق فريق بايدن. وقد كانت القمة من أجل الديمقراطية إحدى هذه الإلهاءات.
قد يضطر الرئيس بايدن ببساطة إلى الانتظار حتى انتهاء ارتفاع التضخم والتطلع إلى مقالات بعنوان «بايدن ينشط من جديد» في العام المقبل. ومع ذلك، ثمة العديد من الأشياء التي يمكن لإدارته القيام بها لتحسين رسائلها.
أولاً، يمكنها أن تستخدم مؤشرات لتتبع الانتعاش الاقتصادي. في سنوات حكم كارتر، كان لدينا «مؤشر البؤس» (التضخم + البطالة)، واليوم يمكننا استخدام «مؤشر الانتعاش» (الزيادة في عدد الوظائف مطروحاً منها التضخم) لقياس المكاسب في دخل الأسرة. يجب أن ينقل تتبع ما كانت عليه البلاد في يناير وما أصبحت عليه الآن إحساساً بالتقدم. يحتاج بايدن إلى رسم صورة لسفينة غيَّرت اتجاهها وبدأت للتو في المضي قدماً.
ثانياً، إذا أراد بايدن أن يكون لديه أي فرصة للوصول إلى ناخبين عاديين، فعليه الامتناع عن سرد قائمة الفوائد التي لا نهاية لها في مشروع قانون «إعادة البناء بشكل أفضل». بدلاً من ذلك، ينبغي أن تكون الرسالة موجزة: سيعمل مشروع قانون «بي بي بي» على تقليل تكاليف الإسكان والعقاقير والرعاية الصحية ورعاية الأطفال.. ويعارض «الجمهوريون» كل ذلك. وقد قامت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، جين بساكي، بالتعليق على ذلك في إحاطتها ليوم الجمعة الماضي، وقالت: «سنقوم بخفض تكاليف رعاية الطفل ورياض الأطفال والمسكن. وعلى الجانب الآخر من الطيف، سيكون هناك أشخاص يعارضون خفض هذه التكاليف».
التفاصيل التي لا نهاية لها في خطابات بايدن تضفي على مشروع القانون توصيفاً بأنه «مشروع إنفاق الاجتماعي لا فائدة منه». ويمكن للمرء أن يجادل بأنه كان من الأفضل أن يقلص مشروع القانون وجعل تركيزه على زيادة الأجور وتقليص نفقات الأسرة.
ثالثاً، يحتاج بايدن للعودة إلى الهجوم المضاد وبعض الشعبوية. ذكرت «بلومبيرج» أنه كحصة من الاقتصاد، «حققت الشركات الأميركية أرباحاً في الأشهر الثلاثة المنتهية في سبتمبر أكثر من أي وقت مضى.. ووفقاً للتقديرات الأولية الصادرة عن مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي، فإن أرباح الشركات من الإنتاج الحالي في الربع الثالث من العام، بعد خصم الضرائب، بلغت 11% من الناتج المحلي الإجمالي». وأشار التقرير إلى أنه «في البيانات الفصلية التي تعود إلى عام 1947، لم تتجاوز الأرباح بعد الضرائب 9% من الناتج المحلي الإجمالي قبل عام 2010». لا يريد الجمهوريون من الشركات الكبرى، التي لا يدفع الكثير منها ضرائب فيدرالية، أن تخفض أرباحها، ولا يطالبون الشركات بدفع حتى حد أدنى للضريبة بنسبة 15%.
وباختصار، هذه هي الرسالة التي يحتاجها بايدن: «الاقتصاد يتحسن، وبايدن يعمل على خفض التكاليف بالنسبة للعائلات. ولن يقلل الجمهوريون من نفقات الأسرة لأنهم ملتزمون بحماية الأرباح الضخمة للشركات الكبرى وعدم الإعفاء من الضرائب».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»