الاقتصاد والصحة، هذه الثنائية التي برزت خلال العام الماضي ربما تكون الأهم خلال السنوات المقبلة، فالعالم تغير وأصبحت هناك أولويات جديدة، والكثير من النزاعات والصراعات ستكون هيّنة أمام تضرر هذه الثنائية، فبعد ما تعرض له البشر خلال وباء كورونا الذي اجتاح العالم وشل الاقتصاد وأثّر على دول عدة، أصبح لدى العالم نماذج جديدة، فكل الصراعات التقليدية والسياسية والعسكرية والاستراتيجية وحتى تلك الدينية والعرقية، كلها تسقط أمام المصالح الاقتصادية التي هي صلب تطور البشر وازدهارهم، وإذا نظرت إلى محيطك العربي فقط ستدرك كيف أثرت الأزمات العبثية على الاقتصاد.
وعند الحديث عن الصحة والاقتصاد فالعلاقة بين هذين العاملين تبادلية، أي إذا تأثر جانب سيؤثر على الآخر، وهذا الدرس الذي تعلمناه من جائحة كورونا، فحين عزلت الدول وشلت الحركة فيها بسبب العامل الصحي تأثر الاقتصاد بشكل مباشر وأدى إلى كوارث كبرى، وأيضاً تعرضت الدول التي عانت من أزمات اقتصادية لأوضاع صحية كارثية حيث لم تمتلك الحد الأدنى من القدرة على مجابهة الوباء، فالقطاع الصحي كان شبه مهمل ولم تستطيع تلك الدول حماية مواطنيها ليتدهور الوضع الاقتصادي والصحي بشكل خطير.
خلال العام الماضي تعلمنا كدول أن أولوياتنا يجب أن تتغير، فالعلاقات يجب أن تقوم على مبدأ المصالح الاقتصادية المتبادلة، وأن تكون تلك المصالح هي الأساس الثابت والذي يعمق باقي العلاقات ويقرب الأواصر، وحتى يمنع الانزلاق للمشاكل والخلافات حيث يضع في الحسبان أن أي اهتزاز في العلاقة بين البلدان سيؤثر بشكل مباشر على مصالحها الاقتصادية، لذلك تستمر تلك العلاقات وتزدهر عاماً بعد عام، وهذا هو الثابت الذي يجب الاعتماد عليه.
سبب هذا الحديث هو مراقبتي للوضع الاقتصادي في بعض الدول العربية وحتى غير العربية، حيث وجدت أن صلب مشاكلها يتجلى في ضعف التدبير الاقتصادي والقدرة على تحقيق رفاهية شعوب تلك الدول، وكيف أن انجرار بعضها إلى علاقات مع دول دون الأخذ بالاعتبار الجانب الاقتصادي قادها إلى كوارث، والأهم أنه لن تتحسن أوضاعها أبداً في ظل ذلك الانجرار والانسياق غير المدروس، ولو وضعت الجوانب الاقتصادية في المقدمة لكانت الأوضاع لم تتدهور من الأصل وكانت لتتحسن على أقل تقدير. فالمتابع لبعض الدول مثل لبنان مثلاً الذي عانى من أزمات طاحنة يجد أن هناك تشظياً بين مصالح متضاربة لا تقود معظمها لتحسين اقتصاد البلد ونهوضه، ونرى أن المشكلة الرئيسية تتبلور حول اقتصاد شبه منهار أثَّر بطريقة مباشرة على المواطن اللبناني الذي خرج إلى الشارع للمطالبة بحقوقه الأساسية، فلا دواء ولا غذاء ولا كهرباء ولا وقود، والمشكلة هي تخندق السياسيين على الجانب الخاطئ الذي لا يضمن المصلحة الاقتصادية للبلاد.
المصلحة تقتضي أن يتم البحث عن الطرف القوي الذي سيدعم اقتصاد بلادك وليس التعلق بأيديولوجيات بالية واستراتيجيات خاطئة تقود إلى مزيد من العزلة، ولا تسهم في انتشال البلاد من الغرق في أتون أزمة اقتصادية تقرب من حد الانهيار الشامل. وهذا الحال ينسحب على دول كثيرة، عربية وإقليمية، أهملت الاقتصاد وركضت خلف قطار الأيديولوجيات الذي أغرقها في مزيد من الأزمات التي ستؤثر في النهاية على المواطن البسيط، الذي لا يهمه سوى توفير لقمة العيش وتأمين صحته وصحة أهله وأطفاله، وهذا ببساطة ما يريده هذا المواطن الذي هو بعيد كل البعد عن تلك الاستراتيجيات والشعارات الرنانة. لكل ذلك، على الدول الغارقة في أزماتها أن تعيد تموضعها وتبحث عن مصالحها وترتبط مع الدول بشبكة مصالح ستحميها وشعبَها الآن وغداً.

كاتب إماراتي