مفاوضات فيينا النووية..السيناريوهات والمقاربة الخليجية
استؤنفت الجولة السابعة لمفاوضات فيينا الهادفة إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني، في 9 ديسمبر الجاري، بعد توقفٍ قصير ليتشاور المفاوضون مع قياداتهم في ما تم التوصل إليه. وقد قرأنا تصريحات متباينة من إيران والدول الخمس الكبرى التي تُشارك في المفاوضات والولايات المتحدة التي تنخرط فيها بصورة غير مباشرة.
فبينما تصر إيران، قبل التوصل لأي اتفاق، على رفع العقوبات الأميركية عنها بشكل فعال، وضمان أنّ أية إدارة أميركية مقبلة لن تتراجع عن الاتفاق كما حصل مع إدارة دونالد ترامب عام 2018، تشترط الدول الغربية، والولايات المتحدة، إحراز تقدم ملموس في المفاوضات ومعاودة امتثال إيران لبنود الاتفاق النووي قبل البدء في رفع العقوبات بشكلٍ تدريجي.
وبرغم نفي إيران سعيها لامتلاك الأسلحة النووية، وأنها تقوم بتطوير برنامج نووي للأغراض السلمية، ثمة تخوف دولي وإقليمي من أنها وصلت إلى «العتبة النووية» أو قريباً منها، في ضوء زيادة معدلات تخصيب اليورانيوم المخالفة لالتزاماتها الدولية. ومع ذلك، نرى أنّ الجولة السابعة مختلفه عن الجولات السابقة من المفاوضات، فقد استؤنفت المباحثات في أجواءٍ تفاؤلية وحاجة دولية وإقليمية للوصول لحل توافقي يكون مقبولا لدى الجميع.
وبالرغم من انتهاء الدورة الأولى من مفاوضات الجولة السابعة في مناخ تشاؤمي، استؤنفت المباحثات في أجواء تفاؤلية، وبتعهدات أطرافها بالجدية للتوصل لاتفاق. كما أن التدخلات الإقليمية ستسهم في التوصل لاتفاق قد لا يكون مثاليًا، لكن أفضل من عدم الاتفاق وعدم وضوح الرؤية. كما كان هناك تشاور بين المفاوضين ودول المجلس، وقد اتضح ذلك من خلال الاجتماعات بين دول المجلس والمبعوث الأميركي وكذلك المسؤولين الذين زاروا المنطقة وآخرهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (3-5 ديسمبر الجاري) لمعالجة الوضع غير المفهوم المتصل بعدم مشاركة دول المجلس في مفاوضات فيينا التي تبحث في قضايا حيوية للأمن الوطني والجماعي لهذه الدول.
وثمة ثلاثة سيناريوهات مُحتملة لمفاوضات فيينا النووية، يتداولها الخبراء والمحللون، أولها عدم التوصل لاتفاق، لأن الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 بات أشبه بالميت الذي يصعب إحياؤه، وثانيها إحياء الاتفاق النووي (ومؤداه إعادة امتثال إيران والولايات المتحدة لبنود الاتفاق النووي السابق بعد التوصل لتفاهمات معينة يترتب عليها تقديم الطرفين لتنازلات متبادلة ومتكافئ)، وثالثها الاتفاق الجزئي أو المؤقت (بمعنى توقيع واشنطن وطهران اتفاقًا منفصلاً تمامًا، بمعايير مختلفة عن اتفاق 2015، يشتمل على تجميد العناصر الأكثر إشكالية في البرنامج الإيراني، مقابل تخفيف محدود للعقوبات).
وفي تقديري، لا يُستبعد التوصل لاتفاق بين إيران والدول الكبرى لإحياء خطة العمل المشتركة قبل اختتام الجولة السابعة من مفاوضات فيينا. وعليه، لن يتم تناول القضايا الإقليمية، أو الصواريخ الباليستية، والتي قد يُتفق على التفاوض حولها في اتفاق منفصل لاحقاً، أو حتى يتم إدارتها عن طريق مقايضة رفع العقوبات، أو باستخدام أدوات الردع المختلفة. ويعزز هذا السيناريو حاجة الطرفين الماسة للتوصل إلى اتفاق. فإيران تعاني كثيراً من العقوبات الأميركية، فعملتها انهارت كثيراً، واقتصادها على حافة الانهيار، والاحتجاجات الشعبية المدفوعة بتداعيات الأزمة الاقتصادية عمت مناطق كثيره من البلاد.
كما أنّ «الخطة ب» الأميركية للتعامل مع إيران في حال فشل المفاوضات، التي تتضمن مزيجاً من تكثيف العقوبات الاقتصادية والحرب السيبرانية مع عدم استبعاد الخيار العسكري، قد تجعل القيادة الإيرانية تفكر أكثر من مرة قبل التسبب بفشل المفاوضات.
وفي هذا الخصوص، أكد علي باقري كني، رئيس الوفد الإيراني في المفاوضات، مؤخراً أنه لا يرى وجود أي عائق أمام التوصل إلى اتفاق إذا تم تهيئة المناخ اللازم. كما صرّح روبرت مالي، رئيس الوفد الأميركي، الذّي قد ينخرط مباشرةً في مفاوضات هذه الجولة، بأننا «جاهزون للعودة إلى التقيد ببنود الاتفاق ورفع كل العقوبات التي تتعارض معه.» وتذكرني أجواء المفاوضات الراهنة والتصريحات المتباينة لأطرافها بأجواء ما قبل التوصل لخطة العمل المشتركة عام 2015. فقد كان هناك سيناريو مرجح لفشل المفاوضات، كما هو عليه الحال الآن، ولكن في النهايه توصلوا لاتفاق، حتى قرر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الانسحاب منه عام 2018 مع تمسك الدول الأخرى به.
وقد شرعت دول المجلس باتخاذ ما يلزم لضمان أمنها الوطني والجماعي، وتنسيق مواقفها من الملف النووي الإيراني وما يثيره من إشكالاتٍ إقليمية، وعدم الانتظار لما قد تسفر عنه المفاوضات. وهذا هو جوهر المقاربة الخليجية الجديدة من المفاوضات.
وهي المقاربة التي تقودها دولة الإمارات حالياً، عن طريق التقارب مع إيران وتصفير المشكلات في المنطقة، مع تمتين تحالفاتها الاستراتيجية بدول مجلس التعاون، وعلى رأسها السعودية. ولعل الجولة الخليجية لولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان تسهم في بلورة موقف خليجي موحد، قبل قمة مجلس التعاون الخليجي التي ستستضيفها الرياض في منتصف الشهر، إحدى مؤشرات المقاربة الخليجية الجديدة.
دول مجلس التعاون وخاصة الإمارات ترى أن استقرار المنطقة وتجنيبها الأزمات والصراعات والحروب، والتعايش السلمي والسعي لتطوير المنطقة وازدهارها هي أولوياتها القصوى التي لا نقاش فيها. فحتى لو لم يتم التوصل لاتفاق، لابد من إيجاد مقاربة مختلفة غير مقاربة العقوبات وحالة العداء أو الصراع القائمة في المنطقة.
ومن هنا، فإنّ المبادرات الإقليمية الجريئة للقيادة الإماراتية تجاه إيران وتركيا أتت في الوقت المناسب وهو ما يعطيها مصداقية وواقعية سياسية.
وعلينا ان نسأل أنفسنا ماذا استفدنا من الخلاف والعداء الدائم؟ هل هناك تبدل أو تغير في نهج أي من الأطراف؟ من المستفيد من هذا الخلاف، دول المنطقة أم أطراف أخرى؟ لماذا لا نفكر في أولوية إرساء الاستقرار الإقليمي، ونبذ العداء والخلاف، ونبتعد عن لغة العداء والتهديد مع احتفاظ كل طرف بوسائل ردعه الخاصة والتي تحمي امنه واستقراره.
*مختص في الشؤون الاستراتيجية والسياسية