أهمية الحكم في قضية «آربري»
أبهجتني للغاية الأنباء التي ذكرت أن هيئة محلفين في جورجيا توصلت إلى إدانة ثلاثة رجال بيض بقتل أحمد آربري، الشاب المنحدر من أصول أفريقية. ورفضت الهيئة الحجة القائلة بأن الرجال كانوا «يحمون ويدافعون» عن حيهم، ورفضت تسويغ مطاردتهم ومحاصرتهم ثم إطلاقهم النار على «آربري» ثلاث مرات من مسافة قريبة.
وهذا الحكم محل ترحيب خاص لأنه يأتي بعد أيام قليلة فحسب من حكم هيئة محلفين في ويسكونسن ببراءة كايل ريتنهاوس من قتل رجلين بإطلاق النار عليهما. ورغم الاختلاف بين القضيتين، لكن كليهما يتعلق بقضايا وقيم أساسية لمستقبل أميركا تتمثل في ولعنا المرضي بالمسدسات، واحتفاء الجناح اليميني المتصاعد بتنفيذ أفراد أحكامهم بأنفسهم، والعنصرية. ودعونا نتناول قضية ريتنهاوس أولاً.
في أغسطس 2020، قتلت شرطة مدينة كينوشا بولاية ويسكونسن جاكوب بليك، الأفريقي الأصول، واندلعت احتجاجات في المدينة تضمنت بعض أعمال الشغب والنهب. وفي استجابة لدعوات جماعات القوميين البيض، حصل كايل ريتنهاوس- المقيم في إيلينوي والبالغ من العمر 17 عاماً- على سلاح من طراز آيه. آر-15 نصف الآلي. وانضم ريتنهاوس إلى جهود «الدفاع عن الممتلكات والمساعدة في إحلال القانون والنظام» أثناء احتجاجات كينوشا. وفي 25 أغسطس، قتل ريتنهاوس رجلين وأصاب آخر بجروح.
وجادل محاموه بأن ريتنهاوس شعر بالتهديد وقتل الرجلين دفاعاً عن النفس. واتفقت هيئة المحلفين، بعد مداولات دامت أربعة أيام، على الحكم على ريتنهاوس. وكل هذا يدور في إطار تفشي ظاهرة قتل الشرطة لرجال داكني البشرة وحوادث خطيرة يشارك فيها رجال بيض مسلحون يهددون رجالاً داكني البشرة غير مسلحين. بل امتد التهديد ليشمل أيضاً مسؤولين منتخبين يختلف معهم هؤلاء البيض سياسياً. وعلى سبيل المثال، اقتحم أعضاء جماعة مسلحة من البيض مقر الهيئة التشريعية لولاية ميشيجان في أبريل 2020 احتجاجاً على أمر الإغلاق الخاص بكوفيد-19 الذي فرضه حاكم الولاية. وهناك مثال آخر في سانت لويس بولاية ميسوري، حيث أشهر زوجان السلاح أثناء مرور مسيرة لمحتجين سلميين من حركة «حياة السود مهمة» عبر حيهم.
ومن الأمثلة أيضاً، وقوف وحدات من جماعة مسلحة على امتداد الحدود الجنوبية لإطلاق النار على المشتبه في أنهم مهاجرون غير شرعيين. وأخيراً، هناك مثال اقتحام جماعات مسلحة، في السادس من يناير الماضي، مقر الكونجرس الأميركي في تمرد عنيف مهددين الكونجرس كي يغير نتيجة انتخابات 2020 الرئاسية. وفي كل حالة، احتفى اليمين بالجناة كما لو أنهم أبطال.
وجُمعت ملايين الدولارات للدفاع عنهم ودُعي زوجا سانت لويس إلى إلقاء كلمة في مؤتمر قومي للحزب «الجمهوري». ووصف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وزعماء «جمهوريون» آخرون المشاركين في تمرد السادس من يناير و«منفذي القانون عند الحدود» بأنهم وطنيون. وأصبح كايل ريتنهاوس مشهوراً واستضافه ترامب في مقر إقامته في منتجع «مارالاجو» وظهر في تلفزيون فوكس. وعُرض على ريتنهاوس التدريب في الكونجرس.
بإضفاء المشروعية على تنفيذ الأفراد للقانون من تلقاء أنفسهم، يعيدنا اليمين إلى عصر الغرب المتوحش، وحقبة ما بعد إعادة البناء حين كان الدهماء يشنقون بلا محاكمة آلافاً من أصحاب البشرة الداكنة أو الأجانب الذين اعتبروهم تهديداً. ويتعين علينا أيضاً أن نفكر في قضية المسدسات وإصرار اليمين على أن «حق حمل السلاح» في الدستور مطلق. صحيح أن التعديل الثاني جاء بهذا الحق، لكن من التعسف أن يجري التوسع في تأويل عبارة «الميليشيات المنضبطة» لتشمل الدهماء الذين اقتحموا مقر الهيئة التشريعية وهددوا سلامة حاكم ميشيجان، أو مراهقاً كلف نفسه بمهمة «الدفاع عن الممتلكات». فرغم نجاح «الاتحاد القومي للأسلحة»، لكن الدستور لم يمنح المواطنين حقاً بلا قيود لامتلاك وإشهار واستخدام أسلحة الحرب.
وأخيراً، هناك قضية العرق الحيوية. اليمين يتسامح مع منفذي الأحكام من البيض ويحتفي بهم حتى لو كانوا يهددون «القانون والنظام» والديمقراطية. والمرء ليس بحاجة لخيال حتى يدرك رد الفعل المحتمل على ظهور جماعة مسلحة من داكني البشرة تنفذ القانون بنفسها لتحمي تجمعاتها السكانية أو تهدد مسؤولين منتخبين. فما علينا إلا استرجاع ذكريات قمع حركة «النمور السود» في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. هناك خطر وجودي لا يمكن تجاهله على ديمقراطيتنا، يتمثل في إضافة جماعات من البيض تنفذ حكمها الخاص، وتحظى بتأييد زعماء سياسيين، إلى بيئتنا السياسية شديدة الاستقطاب الحزبي أصلاً
وهذا هو سبب الأهمية الكبيرة لحكم الإدانة في قتل أحمد آربري. صحيح أن قرار هيئة المحلفين في قضية ريتنهاوس هدد بفتح باب فوضى «قانون الغاب»، لكن هيئة المحلفين في جورجيا أغلقت هذا الباب برفضها حجة الدفاع بأن قتلة آربري كانوا يتصرفون دفاعاً عن النفس وحماية الممتلكات.
*رئيس المعهد الأميركي العربي- واشنطن