جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية وتجديد الخطاب الديني
خلال يومي 9 و10 نوفمبر 2021 أقامت جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية مؤتمراً حول تجديد الخطاب الديني. في صبيحة المؤتمر ألقى العلاّمة الشيخ عبد الله بن بيه كلمةً تأطيريةً حول مفاهيم التجديد في القديم والحديث، والمتطلبات الراهنة. كان المصطلح المستعمل للتغيير والانفتاح على مدى عقودٍ متطاولة هو مصطلح الاجتهاد.
وكان المقصود به التفكير في متغيرات فقه العيش في مجتمعات المسلمين والانفتاح على المتبدل من أجل التسهيل في الحياة اليومية للناس. ثم رأى كثيرون أن الأمر يتطلب أكثر من ذلك، فصار مصطلح التجديد يُستعمل تدليلاً على ضرورات التغيير الشامل بما يُداني تغيير رؤية العالم في عوالم العرب والمسلمين.
لقد استظهرتُ في محاضرتي بالمؤتمر وجود سبعة مشروعات للتجديد في التفكير العربي والإسلامي خلال القرن العشرين. ومنها ظهور نزعات التقنين كما يتجلى في مجلة الأحكام العدلية العثمانية. إنما في زمن محمد عبده كانت هناك مداخل على ثلاث مسائل: مسألة إصلاح المؤسسات التعليمية ومناهجها وبرامجها، ومدخل تجديد اللغة العربية بالاستناد إلى النصوص التراثية الأولى، وأخيراً مدخل التفسير الجديد للقرآن منظوراً إليه من وجهة نظرٍ حضارية (شروط قيام المدنيات).
وبعد محمد عبده ظهر محمد إقبال في كتابه «تجديد التفكير الديني في الإسلام»، مستنداً إلى تلاقُح بين حركات النهوض والتفكير الفلسفي الحديث في العالم. ووصولاً إلى مالك بن نبي وتيارات مقاصد الشريعة ومراعاة المصالح الضرورية، ظلَّ التفكير التجديدي يواجه ظروفاً صعبةً تحدُّ من تأثيراته من جانب تيارات وأحزاب الصحويات والإسلام السياسي.
لقد شهد المسرح الفكري والسياسي خلال ثلاثة عقودٍ (وأكثر) انتكاساتٍ في التفكير حول التجديد نتيجة التحديات الداخلية المتمثلة في الجهاديات والصحويات والسياسات الدولية. ونتيجة الفراغ في مسائل التجديد برزت ظواهر ومظاهر حتى حوَّل العنفُ باسم الدين الإسلامَ إلى مشكلةٍ عالمية. لأنه في مواجهة التطرف والعنف، ظهر بين المفكرين العرب والمسلمين تيار القطيعة مع الموروث الديني والثقافي العربي والإسلامي.
عالج الباحثون في المؤتمر مصطلحات ومفاهيم التجديد المستعاد من الناحيتين اللسانية والموضوعاتية (المضمونية)، وتحدث كثير منهم عن المتطلبات وعن الإنجازات التي تحققت، وكيف نسير إلى الأمام. وأوضح العلاّمة ابن بيه إمكانيات التواصل بين القديم والحديث، ودعا إلى استثمار هذه الإمكانيات بطريقتين: الاجتهادية التجديدية في الأصول والفروع، والمقاربة التأويلية والأخلاقية.
وقد انصرفتُ في محاضرتي إلى قراءة تيار التغيير في العقدين الماضيين، والمتمثل في الهيئات الدينية وعلماء المؤسسات. فتحت وطأة الجهاديات وممارسات القطيعة مع العالم بالعنف، وشعوراً بضرورات التأهل والتأهيل، انصرف العلماء إلى عقد المؤتمرات وإصدار البيانات والإعلانات المشتركة سعياً لاستعادة التواصل مع العالم، والتواصل الصحّي مع الموروث. لقد درستُ عشرات الإعلانات التجديدية بين عامي 2004 و2019، ووجدت أنها تتفق على «جوامع» هي في الحقيقة جدول الأعمال العالمي المتعارَف عليه، مع التأكيد على خصوصياتٍ معينة. لقد وجدتُ أنّ هذه الإعلانات تدعو لتغيير راديكالي وشامل بإصغائها للمقاربة القيمية لمشكلات المسلمين ومشكلات العالم. وانطلاقاً من «جوامع» الإعلانات والبالغة أربعة عشر بنداً رئيسياً، وجدتُ أنّ الخطاب الديني الجديد يتجه لتغيير رؤية العالم لدى المسلمين أو في الفكر الإسلامي المعاصر.
مؤتمر تجديد الخطاب الديني بجامعة محمد بن زايد، شارك فيه مفكرون بارزون عرب ومسلمون. وقد توصل إلى استنتاجات واعدة. وباعتباره أول مؤتمرات الجامعة الجديدة، فإنّ هذا يعني أنّ جامعة محمد بن زايد تتجه لخوض نقاشاتٍ جادة في المشكلات الكبرى في الفكر العربي والخطاب العربي والإسلامي.
*أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية