أثرت الجائحة سلباً على قطاعات كثيرة في الهند في ظل تعرض الاقتصاد لاضطرابات نتيجة الإغلاق. لكن صناعة البرمجيات كانت من بين الصناعات التي واصلت ازدهارها. وبراعة الهند في صناعة البرامج معروفة جيداً على امتداد العالم. فقد صعدت الهند باعتبارها مركزاً لتقديم خدمات برمجية رخيصة وعالية الجودة.
وأثناء الجائحة واصلت صناعة البرمجيات النمو رغم تضرر قطاعات كثيرة. وكدليل على هذا النمو في صناعة البرمجيات، يشهد القطاع ازدهاراً في التوظيف. وتعزز شركات البرمجيات الهندية من أعداد الوافدين إليها وسط ارتفاع في الطلب على خدمات تكنولوجيا المعلومات وشح في المتوافر الحالي من مواهب البرمجيات. وفي العام الماضي، نما قطاع تكنولوجيا المعلومات بنسبة 2% لتصل قيمته إلى 194 مليار دولار واستقطب 138 ألف موظف، وفق بيانات «الرابطة الوطنية لشركات البرمجيات والخدمات» المعنية بصناعة البرمجيات.
وذكرت وسائل إعلام محلية أنه بين أبريل وسبتمبر فقط من العام الجاري، وظفت أكبر خمس شركات برمجيات- «تاتا للخدمات الاستشارية»، و«إنفوسيس»، و«ويبرو»، «هندوستان كمبيوترز تيك»، و«تيك ماهيندرا» – 122546 عاملاً. وهذه الشركات الخمس توظف ثلث القوة العاملة في مجال تقنية المعلومات البالغ قوامها 4.5 مليون شخص. وهذا يوضح فحسب اضطرار الشركات التي قلصت في السابق حجمها إلى زيادة العمالة نظراً لوجود عمل دون توافر الموهبة اللازمة لإنجازه. وأعلنت شركة «إنفوسيس» المتخصصة في تكنولوجيا المعلومات، أنها ستوظف 45 ألف خريج جامعي في هذه السنة المالية، مقارنة بما كان متوقعاً من قبل وبلغ 35 ألف خريج جامعي.
وهذه أخبار جيدة للخريجين الجدد الذين كانوا يخشون عدم الحصول على وظيفة بسبب الاضطرابات في الاقتصاد. لقد كانوا في موقف يعانون فيه من انعدام الخبرة وقلة عدد الوظائف الشاغرة. لكن هذا التحول الحالي كان إيجابياً للخريجين الذين كانوا يبحثون عن وظيفة في صناعة البرمجيات. وبلغت رواتب الخريجين الجدد حوالي 350 ألف روبية شهرياً. وذكرت «الرابطة الوطنية لشركات البرمجيات والخدمات» أن هوامش التشغيل لشركات البرمجيات الهندية ارتفعت إلى أعلى مستوى في سبع سنوات بنسبة 25% في المتوسط العام الماضي. فقد تمكنت هذه الشركات من خفض التكاليف مع عمل الموظفين من المنزل، وتقلص الأعمال التي يقوم بها الموظفون في مقر الشركة وتراجع نسبة ترك العاملين لوظائفهم في الشركات.
ونمت صناعة التعهيد في الهند على مدى العقود الثلاثة الماضية. فقد أوكلت شركات غربية مهمة المتابعة إلى شركات هندية قامت بعمل البرمجيات البسيطة بكلفة منخفضة بفضل العمالة الهندية الرخيصة وانخفاض كلفة التشغيل. كما بدأت الشركات الهندية أيضاً في التوسع في مجال تعهيد العمليات التجارية. فقد افتتحت عشرات من مراكز الاتصال التي توفر خدمة العملاء وأعمال التأمين، في مدن مثل دلهي وبنجالور، مما وفر فرص عمل لآلاف الشباب الهنود. لكن الهند التي حظيت بميزة الأسبقية في هذا المجال، تواجه الآن بعض المنافسة. ففي الفترة الممتدة بين عامي 2012 و2013، أقر «المسح الاقتصادي» الصادر عن الحكومة الهندية أن صناعة تكنولوجيا المعلومات وإدارة العمليات التجارية الهندية البالغ قيمتها 100 مليار دولار تواجه منافسة من عدد من البلدان النامية. وفي مجال تعهيد العمليات التجارية تحديداً، خسرت الهند جانباً من حصتها في السوق لبلدان مثل الفلبين وماليزيا والصين في آسيا، ومصر والمغرب في شمال أفريقيا، والبرازيل والمكسيك وتشيلي وكولومبيا في أميركا اللاتينية. لكن الهند تمكنت من الحفاظ على هيمنتها في صناعة تكنولوجيا المعلومات عالمياً.
وتعرض الاقتصاد الهندي لموجتين من فيروس كورونا، وأدى إغلاق خانق إلى تعطل جميع الأنشطة الاقتصادية. وارتفعت معدلات البطالة وحدث خفض في الرواتب في مختلف القطاعات. لكن قطاع تكنولوجيا المعلومات واصل نموه، حيث اعتمدت صناعات كثيرة على الوسائل الرقمية. وهذا دفع شركات التكنولوجيا الرائدة التي كانت تقلص حجمها في السنوات السابقة، إلى السعي فجأة لتوظيف الخريجين الجدد بأعداد كبيرة لتلبية الطلب على تنفيذ المشروعات. ويتوقع أن يواصل التوظيف زخمه على مدى ثلاثة أو أربعة فصول مع زيادة الطلب. وهناك طلب على تطبيق الحوسبة السحابية وتحليل البيانات مع إقبال الشركات في جميع أنحاء العالم على الحوسبة السحابية لتحسين الكفاءة. ويتوقع نمو القطاع سريعاً في غضون سنتين أو ثلاث سنوات، على الأقل وسيشهد معدلات نمو تزيد على 10% واستمرار الطلب المرتفع على خدماته على مستوى العالم.
ومع ذلك، تعاني الصناعة أيضاً من مشكلة انتقال الكفاءات من شركة لأخرى. فقد سعت شركات البرمجيات لاستقطاب مهندسي برمجيات ذوي خبرة، وواصلت المواهب عالية الخبرة الانتقال من شركة إلى أخرى مع تقديم امتيازات ورواتب أفضل. وهذا يسبب مشكلة كبيرة نتيجة عدم قدرة الشركات على الاحتفاظ بالمواهب، مما يؤدي إلى ارتفاع الكلفة. لكن شركات البرمجيات وجدت الحل في تدريب الوافدين الجدد بغرض تأهيلهم لتنفيذ المشروعات. ورغم كل هذا، يهيمن التفاؤل على الصناعة لأنها تفسح المجال للموظفين. الهند مركز للمواهب منخفضة الكلفة وكان لذلك دور أساسي في تقديم شركات البرمجيات خدمات بأسعار أرخص مقارنة بالمنافسين. ومن الواضح أن صناعة البرمجيات في الهند ستستمر في التوسع والنمو.
رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي.