نظريات المؤامرة على الإسلام والمسلمين
لن تستطيع أن تقنع أصحاب فكرة المؤامرة بالحقائق، حتى لو حملت لهم الأرقام والوثائق، فالفكرة ليست بالمؤامرة وحدها، بل بالتصور الذي يقوم عليه العالم كله لدى هؤلاء، وعند أصحاب نظرية المؤامرة على الإسلام والمسلمين، فإن العالم قائم على مسلمين في «حالة وردية في الماضي وضحية مضطهدة في الحاضر» وكفار يتآمرون على الإسلام ليلاً ونهاراً.
في هذا التصور، فكرة «المسلمين» تصبح في خيال هؤلاء حالة وحدة متماسكة، وهناك هروب من فكرة التعددية حتى بين المسلمين، فالمفروض - في عقل هؤلاء- أن يكون الجميع لوناً واحداً، طائفة واحدة، مذهباً واحداً، رؤية «شرعية» واحدة، وكل من يخرج عن ذلك فهو من الكفار أو من «والاهم».
ودوماً، في عقل هؤلاء، على مدار الساعة وخلال كل أيام الأسبوع وطوال السنة، بلا توقف هنالك مؤامرة تجري على الإسلام والمسلمين، الغرب الكافر كله (وحدة واحدة لا تعددية فيها) مشغول خلف الأبواب المغلقة بالتخطيط لهزيمة الإسلام والمسلمين.
ويتم تدعيم ذلك كله بما صار يعرف بأدبيات تلك النظرية، مقولات مسندة إلى شخصيات غربية، قصص وحكايات عن معاهد علمية «غير محددة بالضبط» وقد تحمل اسم عالم ما وفي مدينة غربية ما فقط، ودوماً هناك رؤية «للغرب الكافر» يسعى إلى تحقيقها بألا يتوحد المسلمون حتى يظلوا في القاع، وتلك رؤية «اسطوانية» للعالم الكروي. مؤخراً، ومع جائحة كورونا خرجت كل نظريات المؤامرة في مواجهة العلم، ومن كل الأديان والملل والقوميات والجغرافيا، وتم تداول فيديوهات من معاتيه نظرية المؤامرة على أنها حقائق دامغة على مؤامرة شريرة تسعى إلى تحكم «نخبة شريرة سرية» في البشر بعد إبادة نسبة من البشرية. منتسبو الفرع «الإسلاموي» في أكاديمية المؤامرة، وجدوا ضالتهم في تلك النسبة، وصار المسلمون هم المقصودون بالإبادة.
اللقاح «وهو خلاصة جهد معرفي هائل لعلماء ومختبرات وطواقم وتراكم معرفي طويل»، صار سلاحاً سرياً يخفي في داخله مواد غريبة تعمل على تحويل البشر أو تسميمهم، وهو ما يجعلني أتساءل عن كل هذا الجهد والتكلفة في ذلك، مع أنه يمكن زرع نفس المواد في حبوب «الأسبرين» والبندول أو تلقيمها في التحاميل «لفعالية أكثر». لكن هذا لا يستقيم مع فكرة «المؤامرة» وتعقيداتها عند هؤلاء.
فالمقصود هو هدم الإسلام (تصور واهم بأن العقيدة أو الفكرة بناء صلب وملموس)، وهزيمة المسلمين (تصور متعدد الأوهام أكثر بوحدة واحدة وفكرة سيادة العالم). تلك النظرية تفترض أن العالم «من غير المسلمين» كله عبارة عن كفار ينامون ويصحون على مشاعر الحقد على الإسلام، وهذا يشمل رجل الإسكيمو في القطب الشمالي، الذي لن يبتهج كثيراً بمفهوم «الحرارة» كأداة تعذيب، والماء البارد كوسيلة إغراء للإيمان.
وفي تلك «الملة الواحدة»، التي تغفل عن كل المذاهب والطوائف والرؤى الشرعية المختلفة والمتباينة، فإن من يخرج بخطاب منطقي واقعي يرفض تقسيم العالم بهذا الشكل، فهو من موالي الكفار، وهؤلاء لهم حكمهم الشرعي بالنبذ والإقصاء والإلغاء. الوعي، والوعي المبني على المعرفة اليقينية والعلوم هي الحل في مواجهة غياب العقل، والذي أدى غيابه إلى تفعيل نظريات المؤامرة المبنية على جهل وزيف وتضليل. الوعي المبني على المعرفة والعلم لا يبدأ إلا بالمدارس والمعاهد العلمية لا غير.
* كاتب أردني مقيم في بلجيكا