تجري تحولات إقليمية ودولية في صيرورة متدفقة، يتم فيها تحريك الزوايا من كل الأطراف الإقليمية والدولية، وفقاً للمصالح الوطنية لكل دولة، وخلال ذلك تتطور المقاربات ليصبح المشهد مغايراً وتتغير فيه التصنيفات عمّا كانت عليه سابقاً. ضمن هذا السياق، أعلنت أميركا عزمها على الانسحاب من الشرق الأوسط والتوجه إلى المحيطين الهادئ والهندي.. لكن هل بذلك يبعث الرئيس بايدن رسالةً إلى المجموعة الخليجية أن تتوجه إلى إسرائيل؟
انسحاب أميركا والتوجه إلى الشرق، حيث اتفاق «أوكوس» مع بريطانيا وأستراليا، يُعد تحولاً استراتيجياً مفاجئاً، كما انسحابها من أفغانستان، بالنظر إلى أن منطقة الخليج ظلت موضع اهتمام أميركا على مدى عقود وأصبح من مسلماتها الإقليمية والدولية أن مياهها الدافئة محرّمة. ومن حيث الجغرافيا التي تكره الفراغ وتغري المنافسين، يذهب التفكير إلى العمل على سد الفراغ الأميركي الواسع، وإن كان الوجود الأميركي سيظل حاضراً بظلاله السياسية على الأقل!
واتساقاً مع هذه الحيثية ذات البعد الإقليمي، يتبدّى نموذج الإمارات الحيوي ودورها المحوري، وقد دوزنت أوتار آلتها لتؤدي دورها في السلام والتسامح والوئام، وليكون ذلك مفتاحاً لحل مشكلات كثيرة. رسالة الإمارات في كل آن، من خمسين التأسيس إلى خمسين المستقبل، تنبض بفكر قائم على ترسيخ الاستقرار في منطقة الخليج. هذا ما صرّحت به الإمارات أمام مجلس الأمن الدولي في مناقشة مفتوحة.
ومن مبادرات الإمارات أنها دفعت إلى احتفال المجتمع الدولي للمرة الأولى باليوم العالمي للأخوّة الإنسانية. ومع اقتراب موعد تسلم مقعدها في مجلس الأمن بداية العام المقبل، تعيد الإمارات التأكيد على أهمية تعزيز التماسك واللحمة والوحدة بين المجتمعات، والمصالحة بين الشعوب. إنها رسالة تشدد على ضرورة تصميم وتنسيق وتكامل استراتيجيات متعددة الأطراف لتعزيز السلام واستدامته. التفاوض والحوار منهج إماراتي ثابت في الدعوة لحل كافة الخلافات ودعم كل المبادرات للانفتاح والأخوّة الإنسانية وصولاً إلى الاستقرار في كل مكان.
وفي ضوء السيولة الدولية القائمة، لا يمكن لمنطقتنا تجنب هذه الصيرورة. فهل نسمح لخيالنا السياسي أن يحاكي التحولات الآتية، بإيجابية، لصالح دول مجلس التعاون الخليجي وجوارها الجغرافي، بإطلاق حوارات جادة بين دولها وكسر التابوهات المحرّمة، موازية لحوار المملكة العربية السعودية وإيران، لخلق منتدى سلمي يشمل جميع دول الجوار، للوصول إلى صيغة متقدمة وواقعية تستطيع من خلالها بناء الثقة، مما يفضي إلى مخرجات عملية يمكن الاعتماد عليها، وبها يتم اقتحام العقبات التي تطالب السعودية بتجاوزها، توطئةً لحل الخلافات وتحقيق المصالحة الممكنة.
ما يمكن قوله بجدية هو أن الكرة الآن في الملعب الإيراني، وإذا أبدت طهران نيتها الصادقة، دون مواربة، فبإمكانها أن ترد بإيجابية على مطالب السعودية، وعندئذ ستنفتح الأبواب الموصدة، لنطل على مشروع لبناء منتدى أو منظومة إقليمية خليجية تضم دول الخليج +2 (إيران والعراق)، كما هو حال منظومات إقليمية عديدة.
وفي ضوء ما يجري من حوار بين إيران والسعودية وترديد إيران مراراً أنها تمد يدها للسلام والتعاون، نتمنى رؤية مخرجات إيرانية صادقة ومشجعة للبناء عليها وتطويرها. وتأكيداً لهذه الفكرة، يسجل الدكتور كريستيان ألكساندر، مدير برامج الأمن الدولي والإرهاب في «تريندز للبحوث والاستشارات»، في ورقة له حول موقف الإمارات من القضايا المتعلقة بالترتيبات الاستراتيجية للأمن في منطقة الخليج، أنّ الاستقرار الإقليمي يمثل هدفاً استراتيجياً للسياسة الخارجية لدولة الإمارات. ويوضح ألكساند أنّ الإمارات لا تنظر إلى أمن الخليج بمعزل عن الدوائر الأخرى، عربيةً كانت أم شرق أوسطية، وذلك من منطلق حرصها على تعزيز أسس الأمن والاستقرار الإقليميين، ولهذا فهي تقوم بدور فاعل في هذه القضية الحيوية من أجل الأمن الإقليمي والعالمي.
سفير سابق