بتنظيم من مجلس حكماء المسلمين ومشاركة المركز الكاثوليكي للإعلام والدراسات، عُقد في عَمان في الأسبوع الفائت مؤتمر «إعلاميون في مواجهة الكراهية»، وقد تشرفت بتقديم ورقة عن الإعلام وإشكاليات الكراهية.
إن الطبيعة المعقدة للمواجهة مع الكراهية والتطرف والإرهاب، والتحولات الكبرى الجارية في الإعلام والتقنيات المتصلة به، تجعلان من الضرورة صياغة خطاب يلائم هذه التحولات، ويراجع المحتوى والأدوات التي تنتمي إلى مرحلة سابقة لم تعد موجودة.
يحتاج الإعلام في هذا الفضاء المليء بالفوضى والقدرة على مشاركة جميع الناس بلا استثناء إلى اكتساب الجمهور، واستهداف التطرف وليس المتطرفين فقط، وتشكيل بيئة ثقافية واجتماعية تشجع على القيم الأساسية والإيجابية التي تحمي من الكراهية والتطرف وتحمي المجتمعات والأفراد من تأثير المتطرفين وأفكارهم، وبناء شراكة مع المجتمعات، والمشاركة الصحيحة والإيجابية مع المجتمع العالمي. وإنها لرسالة أصعب وأعقد من أي مرحلة عرفها الإعلام الحديث، فالإعلام المعتدل والإيجابي يواجه حرباً غير تقليدية بأدوات تقليدية!
يتضمن الخطاب القائم على التوسع في انتقاد الكراهية والإرهاب توسعاً في نشر الأخبار وقد يخدم المتطرفين من حيث يريد العكس، لكن في مقدرونا بالمقابل أن نتوسع في المحتوى والخدمات الإعلامية التي تساهم في سد الفراغ المعرفي والفكري وتشكل قيماً تصرِف الشبابَ والأطفالَ عن مصادر الكراهية والتطرف وفكر الجماعات المتشددة، وتكرّس قيم الجمال والتسامح في المجتمع، وتزوّد جميع الناس بالمعرفة والخدمات التي تقلل من الشعور بالخواء والفراغ وتحسِّن حياتهم وتجعلهم ينفرون من التعصب والكراهية.
وفي التحولات الكبرى الجارية في الإعلام اليوم بفعل التقنيات الجديدة القائمة على المعلوماتية والاتصالات أصبحت أعمال الكراهية والتعصب جماعات غير واضحة أو محددة، ونشأ العمل الفردي وغير المتوقع وغير المرتبط بجماعات أو مؤسسات، وفي قدرة جميع الناس على المشاركة في العمل والإنتاج الإعلامي وقدرة الإعلام الجديد على تخطي الحدود والرقابة صارت المواجهة مع الكراهية مثل المشي في الظلام.
إن الحرب في جوهرها تبادل منظم للعنف، والدعاية في جوهرها عملية إقناع منظمة، فإذا أمكن إقناع الخصم فلا حاجة للحرب العسكرية ابتداءً، والإعلام في الحرب يهدف إلى إقناع الناس واكتساب جمهوره المفترض أو إقناع الخصوم بترك الكراهية والتعصب، فالإعلام في جوهره عملية «حربية». لكن الطبيعة المعقدة للحرب على التعصب والكراهية، والتحولات الكبرى الجارية في الإعلام والتقنيات المتصلة به، تجعلان من الضروري صياغة خطاب يلائم هذه التحولات، ويراجع المحتوى والأدوات التي تنتمي إلى مرحلة سابقة لم تعد موجودة.
ويمكن الحديث فيما تبقى من مساحة هنا عن اكتساب ثقة المستهدفين وتأييدهم، والتأكد من وصول الرسالة واستقبالها، والتأكد من أنها تحقق أثرها المطلوب، واستهداف التعصب والكراهية وليس المتعصبين فقط، وتشكيل بيئة ثقافية واجتماعية تشجع على القيم الإيجابية التي تحمي من الكراهية والتطرف، وإنشاء محتوى يلائم الفئات المستهدَفة ويلاحظ التنوع والتعقيد في اختلاف الفئات المستهدفة، وبناء شراكة مع المجتمعات والطبقات الاجتماعية، والمشاركة الصحيحة والإيجابية في المجتمع العالمي. وكما أن الكراهية ظاهرة متصلة بالعولمة نفسها (الثمرة السيئة للعولمة) فإن مواجهتها تكون بالمشاركة العالمية.
وفي الخطاب الإعلامي، لا ينبغي فهْمُ المواجهة مع الكراهية على أنها «حرب دينية»، وذلك حتى لا يساهم الإعلام في استدراج الدول والمجتمعات معاً إلى جدالات دينية لا تخدم مواجهة الكراهية، بل ربما تساهم في انتصارها عاطفياً وإعلامياً، وهو ما يلحق ضرراً كبيراً بالسياسات العامة للدول، وبالدين أيضاً، عدا عن كونها مواجهة محسومة سلفاً لصالح خصوم معبئين دينياً ويقدمون خطاباً محرِّضاً ومروِّجاً للكراهية.
كاتب أردني