لبعض الوقت وحّدت مشاعر الصدمة والغضب الأميركيين وهم يتابعون هجمات 11 سبتمبر الإرهابية. ولكن الوشائج التي أحسوا بها في ذاك اليوم لم تعمّر طويلاً نظراً لأن الأحداث اللاحقة سرعان ما قسّمت البلاد تقسيماً. إذ انتشرت حياة سياسية قاتمة، تعود أسبابها إلى الخوف من بعضنا البعض. فالبلدان البائسة، التي تتميز بسلطوية كبيرة، تسعى للحكم من خلال الخوف وتستبدل أشكال الصداقة السياسية بالعداء - وهذه التركة هي التي يجب أن نتعاطى معها اليوم.
ولا شك في أن الهجوم على أميركا في 11 سبتمبر 2001 فجّر مشاعر الوحدة الوطنية وحملة شعبية للدفاع عن البلد من الهجمات الإرهابية. فبعد الحروب الثقافية في التسعينيات وانتخابات 2000 المتنازع عليها، أصبح الأميركيون فجأة أصدقاء من جديد ومصممين على العمل معاً في سبيل دفاعهم المشترك عبر القفز إلى حرب عالمية. وهكذا، فحينما شن الرئيس جورج دبليو بوش هجمات عسكرية في أفغانستان والعراق، دعمته استطلاعات الرأي العام بقوة، إذ أيّد أكثر من 80 % من الأميركيين الهجمات على أفغانستان ووافق أكثر من 60% على ضربته الاستباقية في العراق للقضاء على أسلحة الدمار الشامل.
غير أن «حمى الحرب» انحسرت وتراجعت في وقت ازدادت فيه الإصابات في أفغانستان والعراق، حيث مات في نهاية المطاف أكثر من 7 آلاف جندي أميركي. وعندما تبخرت وعود العثور على أسلحة مدمرة قد تُستخدم ضدنا في العراق، انتابت الجمهورَ حالةٌ أكبر من عدم اليقين بخصوص الكيفية التي ينبغي الرد بها على 11 سبتمبر. وأصبح الخوف والاحتقار اللذين كانا موجهين للإرهابيين موجهين إلى حدٍّ كبيرٍ إلى آخرين في الوطن. وأضحى السعي لإيجاد أعداء الشعب - وليس السعي وراء دفاع مشترك - هاجساً في الحياة السياسية الأميركية.
أسباب هذا البحث ظهرت من جديد مباشرة بعد 11 سبتمبر. إذ ازدادت الهجمات على العرب والمسلمين والجنوب آسيويين الذين يعيشون في الولايات المتحدة. ففي دالاس، قتل مارك سترومان رجلين وجرح ثالثاً بعيد أيام قليلة من 11 سبتمبر؛ لأنه اعتقد أنهم يشبهون أشخاصاً من «أصول مسلمة».
هذا الارتفاع في أعمال العنف عززته السياسات، إذ أدى قانون مكافحة الإرهاب المعروف باسم «يو إس إيه باتريوت آكت»، الذي مُرر في أكتوبر 2002، إلى عمليات توقيف ضخمة للمهاجرين واستخدام لعمليات تفتيش غير مبررة لأماكن سكن خاصة وعدد غير محدد من عمليات التوقيف لأشخاص لم يثبت أنهم مذنبون بأي شيء. كما رخّص وزير العدل جون آشكروفت لـ«الاستهداف العرقي» عندما أطلق حملة يطلب فيها من المواطنين البحث عن أشخاص مشبوهين في أحيائهم.
وبعد أقل من عقد على 11 سبتمبر، اختلط البحث عن أعداء مع العنصرية. فعندما أُعلن عن مخططات لإنشاء مركز للجالية المسلمة في مانهاتن في نيويورك في 2010، نظّم ائتلاف من الوطنيين اليمينيين وأتباع حركة الشاي أنفسهم بسرعة من أجل معارضة ما سموه مسجد «غراوند زيرو». وقال الرئيس السابق لمجلس النواب نيوت غينغريت، الذي كان ينتقد الرئيس باراك أوباما بشدة، إن أنصار المسجد ليسوا سوى «إسلاميين متشددين» يهينون من ماتوا عندما انهار مركز التجارة العالمية.
هذه المواقف العدائية التي تعود إلى فوضى 11 سبتمبر و«حرب عالمية على الإرهاب» قوّت حركةً يمينيةً متناميةً في أميركا تركّز على الانقسام بدلاً من الصداقة. وأصبحت الحكومة بشكلها الليبرالي تهديداً لأنه كان يُنظر إلى أجندتها على أنها تفضّل الأقليات العرقية على البيض. ولم يكن القوميون البيض يحتاجون الحكومة البتة وكانوا يحلمون ببلاد خالية من التنوع العرقي. أما أنصار حركة الشاي، الذين كانوا كثيرا ما يغنّون «لنستعد بلدنا»، فقد بدأوا ينشطون بعد انتخاب أوباما، وكانوا ينتقدونه بشدة وينتقدون كلفة مخططه لتحسين الرعاية الصحية لفائدة من لا يمتلكون هذه الحماية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»