عام أول انقضى من عمر اتفاقية السلام الإبراهيمي، وعام اشتمل على كل ما يمكن أن يفرزه الشرق الأوسط من الأزمات والصراعات. وفي سياق هذه الاتفاقية تتطلب الأزمات قراءة موضوعية، وإن تكررت الأزمات السياسية، سواء أحداث قطاع غزة التي أكدت أن القضية الفلسطينية تتطلب حلاً سياسياً قاطعاً، كما أن أزمة حي الشيخ جراح في القدس تحولت لقضية سياسية حاولت كل الأطراف الإسلاموية استغلالها ضمن سياقات انتهازية اعتادت عليها منذ عقود.
القواعد السياسية الشرق أوسطية غيّرها القرار الإماراتي والبحريني بإبرام اتفاقية السلام مع دولة إسرائيل، فالقواعد التقليدية كانت تعتمد على اللاواقعية في التعاطي مع الخارطة الجيوسياسية للمنطقة، ما فعلته الاتفاقية كان تحولاً في الذهنية التي اعتادت على أن إسرائيل ليست جزءاً من المنطقة باعتبارات الحقب التاريخية الماضية وتحديداً في منتصف القرن العشرين.
الواقعية في السياسة هي التي منعت إسرائيل من ضم ما تبقى من الضفة الغربية، وهذه الواقعية أضعفت من موقف بنيامين نتنياهو في ظل ما اعتاد عليه في مسيرته السياسية الممتدة على مدى خمسة عشر عاماً كان قادراً على تحقيق مكتسبات من الفرص الضائعة بين الفرقاء الفلسطينيين، لذلك كان وبشكل أو بآخر اشتراط الإمارات وقف الضم مقابل السلام تقليصاً لفرصة المناورة السياسية والتي بدورها غيرت الشكل السياسي بعد سلسلة طويلة من انتخابات غير مسبوقة في إسرائيل انتهت بخسارة الليكود لزعامة الأحزاب، ولو بعملية قسطرية، بعد تفاهمات أوصلت «نفتالي بينت» لمنصب رئيس الوزراء.
كان هناك تقييم خاطئ لاتفاقية السلام الإبراهيمي، وهي أنها ورقة انتخابية للرئيس السابق دونالد ترامب يمكنها أن ترجح فوزه بولاية رئاسية ثانية، والصحيح أن الواقعية السياسية وحدها تفرض معادلة السلام وفقاً لرؤية دولة الإمارات لمنطقة الشرق الأوسط، وهي اللاعب السياسي الأكثر تأثيراً خلال العقدين الأخيرين. الإماراتيون خططوا جيداً عبر استراتيجية التسامح، وتحويل بلادهم كصانع للسلام ومستثمر في الأمن، وهذه عملية معقدة للغاية كان لابد من تحقيقها باستثمار الفرصة المواتية في الولايات المتحدة وإسرائيل والشرق الأوسط. مفاوضات الاتفاق النووي بين طهران وواشنطن كانت ضمن دائرة التفكير الاستراتيجي.
فلقد كان من المحتمل عودة الحزب «الديمقراطي» للبيت الأبيض وهذا ما يعني العودة لاتفاق إدارة الرئيس أوباما مع إيران، دون اعتبار لما خلفه الاتفاق من تبعات على المنطقة، ومن تزايد التدخلات الإيرانية، مما استدعى تغييراً للقواعد في هذه العلاقة وفرض الضوابط والمعايير الإماراتية والعربية بما يضمن مصالح الأمن القومي العربي، وهذا بالفعل ما انعكس مع فوز بايدن بالانتخابات الأميركية، ثم جولات المفاوضات للعودة إلى اتفاق نووي يراعي محاذير الدول العربية. في جهة أخرى، حققت اتفاقية السلام الإبراهيمي للسودان والمغرب فرصاً سياسية استثمرتها الخرطوم والدار البيضاء وحصلت على مكتسبات سياسية واقتصادية لم تكن لتتحقق مع السياسات التقليدية المعتمدة على الجمود السياسي، الذي بدوره لم يحقق للعرب شيئاً يذكر غير تدوير الصراعات البينية. السياسة فرص استثمارية، وليست صيغ أزمات، فمن الممكن من السلام تحسين اقتصاديات المنطقة وزيادة التنافسية بفتح الأسواق وبناء مجتمعات تعتمد على التبادلات التجارية. الاستثمار في السلام مفهوم حضاري يمكن اعتماده وتجريبه في الشرق الأوسط، خاصة وأن لغة الحرب والكراهية لم تزد في العرب غير أعداد أكبر من العاطلين عن العمل ومئات الآلاف من المشردين والمفقودين. الاستثمار في السلام فلسفة مختلفة لن تقبل بسرعة وتتطلب رجالاً وشخصيات لديها من الشجاعة والحكمة الكثير لتنجز خطوة السلام كما أنجزها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله.
* كاتب يمني