حين أعلنت شركة «بن آند جيريز» الشهيرة للآيس كريم أنها لن تمنح في عام 2022 ترخيصها ببيع منتجاتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، توقع البعض انطلاق كل الشرور من قمقمها. لكن بعد رد مبدئي مبالغ فيه من إسرائيل وأنصارها الأميركيين، تلاشت القصة إلى حد كبير من دورة الأنباء. إلا أن هذا ليس نهاية القصة، بل بداية دراما ستستمر سنوات قادمة.
وكادت الاستجابة الإسرائيلية الرسمية أن تبلغ حد المزايدة بين الزعماء الإسرائيليين، كي يتفوق بعضهم على بعض في التعبير عن النقمة. فقد وصف الرئيس الإسرائيلي قرار الشركة بأنه مسعى «لتقويض وجود دولة إسرائيل في حد ذاته» و«صيغة جديدة من الإرهاب». ووصف آخرون القرار بأنه «استسلام مخزٍ لمعاداة السامية التي تدافع عنها حركة تسعى لفرض عقوبات بهدف تدمير دولة إسرائيل». وأعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية أنها ستطلب من 35 ولاية أميركية لديها حالياً تشريعات مناهضة لحركة تطالب بسحب الاستثمارات وفرض العقوبات أن تطبق هذه التشريعات بفرض عقوبات على شركة «بن آند جيريز». وأعلن عدد من المسؤولين الأميركيين المنتخبين، تحت ضغط من بعض الجماعات الأميركية المؤيدة لإسرائيل، أنهم يراجعون الخيارات المتاحة، لكن لم يتم حتى الآن إلا القليل.
ويتعين إمعان النظر والرد على الاتهامات المحمومة بمعاداة السامية. فمن الجدير بالذكر أن شركة «بن آند جيريز» لها تاريخ طويل في دعم قضايا العدل الاجتماعي ولديها مجلس إدارة يصيغ سياسات الشركة وفق ما يراعي قضايا تمتد من تغير المناخ إلى الظلم العنصري. وعلى مدار سنوات، نادى نشطاء في ولاية فيرمونت حيث المقر الرئيسي للشركة، وعلى مستوى البلاد، مطالبين الشركة بهذه الخطوة مشيرين إلى أن سياسات إسرائيل في الأراضي المحتلة لا تتسق مع رسالة «بن آند جيريز» في العدل الاجتماعي. ثم وافقت الشركة الآن على هذا الطلب، واتخذت خطوة شجاعة بسحب منتجاتها من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.
فقد أشار بن كوهين وجيري جرينفيلد، مؤسسا الشركة، في مقال رأي، نُشر في نيويورك تايمز الشهر الماضي، إلى أن العدل وحقوق الإنسان واحترام القانون الدولي هو ما دفعهما إلى التحرك وليس كراهية إسرائيل، وليس بناء على توجيه من حركة لسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. وبدلاً من معالجة قضايا الاحتلال وما يصاحبها من انتهاكات، يعملون على معاقبة وانتقاد كل من يجرؤ - مثل بن آند جيريز - على قول إن ضميرهم يأبى عليهم الاستمرار في المساهمة في هذه الانتهاكات.
وفي السنوات القليلة الماضية، ضخت إسرائيل مئات الملايين من الدولارات في حملة تسعى لجعل مقاطعة إسرائيل أمراً غير قانوني، لكن هذه الحملة لم تحرز إلا القليل من النجاح. وحتى الآن، سنت 35 ولاية أميركية قوانين تستهدف هذا، لكن هذه القوانين لم تصمد أمام الطعون القضائية التي قدمت ضدها لأنها تنتهك حرية التعبير عن الرأي. وكل أسبوع تقريباً، يؤكد طلاب في جامعة ما، أو زعماء هيئة دينية ما، نقدهم لإسرائيل بسبب انتهاكاتها للحقوق.
كما تخسر إسرائيل في حلبة السجال في الرأي العام الأميركي وخاصة وسط «الديمقراطيين». فقد كشف استطلاع للرأي أجراه المعهد الأميركي العربي عن وجود نسبة من الأميركيين يدعمون نقد سياسات إسرائيل أكبر من نسبة الذين يعارضون هذه الانتقادات، فقد أكد 43% من الناخبين الأميركيين على حق المعارضين لسياسات الاستيطان في المطالبة بفرض عقوبات على إسرائيل، في مقابل 26% لا يرون هذا. والنسبة وسط «الديمقراطيين» أكبر.
وهناك 49% من الأميركيين يتفقون مع موقف «بن آند جيريز» الخاص بسحب منتجاتها من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، بينما يعارض هذا الموقف 31%. ووسط «الديمقراطيين»، تبلغ نسبة المؤيدين لموقف الشركة 65%، بينما تبلغ نسبة المعارضين 18%.
رئيس المعهد العربي- الأميركي في واشنطن