تنحسر ببطء ذكريات الهند عن الموجة الثانية المدمرة من كوفيد-19. فقد تركت الجائحة مكانها في العناوين الرئيسية في الأنباء، وازدحمت مراكز التسوق والمنتجعات الجبلية بالمتسوقين والسياح. وعادت الأنشطة الاقتصادية إلى مستويات ما قبل الجائحة تقريبا، كما حدث قبل الموجة الثانية التي ارتفعت فوق البلاد في مارس الماضي. والواقع، كما حدث من قبل أيضاً، يعتقد كثيرون من الهنود فيما يبدو أن أسوأ ما في الجائحة قد ولى. لكن لا يمكننا التأكد من هذا. فالنماذج الخاصة بالأوبئة التي تنبأت بالموجة الثانية تشير إلى احتمال وقوع موجة أخرى أخف وطأة ربما خلال الشهر الجاري. والبلاد ليست مستعدة بخلاف ما تعتقد.
والدمار الشديد الذي تسببت فيه الموجة الثانية من الجائحة في الهند يعد من العوامل الدافعة إلى المبالغة في الثقة. فقد أدى الانتشار الواسع للإصابات إلى تعرض قطاعات كبيرة من الهنود لاحتمال الإصابة بالفيروس. ويجب أن يكون لدى هؤلاء الآن درجة ما من المناعة. لكن الحقيقة البسيطة أننا مازلنا لا نعرف ما يكفي عن الموجة الثانية للقيام بتنبؤات بسيطة عن الموجة الثالثة. ما لدينا هو مجموعة من عمليات المسح التي قام بها «المجلس الهندي للأبحاث الطبية»، تقدم لنا صورة عن عدد الهنود الذين لديهم أجسام مضادة لكوفيد-19. وشملت أربع من عمليات المسح تلك 29 ألفاً من سكان 700 قرية عبر 21 ولاية من ولايات الهند البالغ عددها 28 ولاية. ونتائج عمليات المسح الأربع التي أجريت بين يونيو ويوليو تشير إلى أن ثلثي الهنود تعرضوا لاحتمال الإصابة بكوفيد-19 صعوداً من 24% تقريبا في ديسمبر ويناير. صحيح أن هذا عدد كبير، لكنه يعني أن هناك 400 مليون هندي دون أجسام مضادة. وموجة ثالثة أو رابعة من الجائحة قد ترفع بشدة إجمالي عدد الوفيات.
ومما يزيد الطين بلة أن ليس لدينا فهم جيد عن عدد الهنود الذين لقوا حتفهم حتى الآن. فالحكومة الاتحادية تعلن أن حصيلة الوفيات بلغت نصف مليون. وبعض النماذج تشير إلى أن العدد الحقيقي قد يتراوح بين مليونين وثلاثة ملايين. وبعض التقديرات أكبر من هذا. وقدر اقتصاديون في «مركز التنمية العالمية» العدد بما يتراوح بين 3.4 و4.7 مليون وفاة في الهند أثناء الجائحة رغم أن ليس جميعها نتيجة كوفيد-19. وبعض حكومات الولايات الهندية أخفت الوفيات لتعزز سمعتها باعتبارها تناضل في مواجهة كوفيد-19.
ودون فهم واضح لمدى قوة الموجة الثانية والأماكن التي ضربتها بقوة، لا يمكننا حقاً معرفة كيف ستبدو الموجة الثالثة. والدرس الأساسي الذي تعلمنا إياه الموجة الثانية في الهند يتمثل في أن أنظمة الرعاية للصحة المحلية تحتاج إلى دعم قبل تصاعد الحالات وإلا ستنهار بسهولة. ودون معرفة الأشخاص الذين أصيبوا من قبل لا يمكننا حساب عدد الأشخاص الذين سيكونون أكثر عرضة للإصابة وأماكن تواجدهم في الجولة التالية. وهناك برنامج إعطاء اللقاحات الهندي المتعثر. فقد وجد عدد من الاقتصاديات الصاعدة صعوبة في التصدي لسلالة «دلتا» بسبب حظر فرضته الهند على مدار شهور على صادرات اللقاحات الهندية الصنع. لكن حظر التصدير لم يساعد الهند كثيراً. وحاولت الهند إجبار منتجي اللقاحات على تقديم جرعات بأقل سعر ممكن. وسمحت الهند للشركات بأن تبيع للقطاع الخاص بأسعار أعلى حتى تتاح للشركات فرصة للربح.
وكان من الممكن أن تجدي هذه الاستراتيجية لو وجد قطاع الرعاية الصحية الخاص أي حوافز لتعزيز نظام توزيع اللقاح، بل قيدت الحكومة هامش ربح المستشفيات، لذا لم يستفد من هذه السياسة إلا الكبار في القطاع الخاص. وشكت حكومات الولايات دوماً من أنها لم تحصل على ما يكفي من اللقاحات لتقوم بتوزيعها. والإمداد باللقاح يمثل أحد العراقيل أيضاً. فلقاحات «فايزر» و«مودرينا» المعتمدة على الحامض النووي الريبوزي أكثر فعالية ضد سلالة «دلتا» من اللقاحات الأخرى. لكن الحكومة تجاهلت «فايزر»، أولاً ثم تنازعت مع الشركة بشأن بنود التعويض التي وقعها عدد من الدول قبل شهور.
وهذا يعني أن الهند لم تقبل أي من 110 ملايين جرعة شحنتهم الولايات المتحدة لدول الاقتصاديات الصاعدة. وكان هناك ملايين الجرعات من إنتاج شركة «موديرنا» أُريد بها الإرسال إلى الهند، لكن العملية توقفت في يوليو. وقبل شهور، اجتمع زعيما الهند والولايات المتحدة، وأعلنا خططا لتمويل إنتاج جرعات لقاح «جونسون آند جونسون»، لكن لم يتحقق تقدم واضح منذئذ. والدرس المحوري الآخر من الموجة الثانية تمثل في حشد العالم دعمه لتوصيل الأوكسجين والعقاقير إلى الهند. وهذا يعني أنه لا يوجد بلد وحيد في العالم حتى لو كان بضخامة الهند قادر على مواجهة الجائحة بمفرده. والإدارة الهندية التي انكفأت على نفسها في كل جبهة في السنوات القليلة الماضية اختارت أن تتجاهل هذا الدرس. وبطء مسعى توزيع اللقاحات في الهند وتجدد احتمال التعرض لكوفيد-19 هو ثمن عدم تعلم هذه الدروس.
ميهر شارما
زميل بارز في مؤسسة أوبزرفر البحثية في نيودلهي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»