ليس مفاجئاً التطور الذي يحدث في تونس منذ اندلاع تظاهرات شعبية واسعة ضد ممارسات «حركة النهضة»، التي تنتمى إلى منظومة جماعات «الإخوان». ففي 25 يوليو الماضي، أحيا قطاع واسع من التونسيين العيد الرابع والستين للجمهورية بطريقة مختلفة. تدفقوا إلى الشوارع والميادين من أجل الحفاظ على الجمهورية المُهددة من جراء تراكمات أزمة مركبة مترتبة على ممارسات حركة فقدت الكثير من الزخم الذي اقترن بقفزها على الاحتجاجات الشعبية التي أنهت حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، ولم تعد أكثريتها الضئيلة في البرلمان الحالي تمنحها أي تفويض إذ لم تحصل في الانتخابات الأخيرة سوى على 52 مقعداً أي أقل من ربع عدد أعضائه البالغ 217 عضواً.
كانت هذه الأزمة تتفاقم يوماً بعد آخر. وكانت نذر انفجارها آخذة بدورها في الازدياد، سواء على المستوى الشعبي حيث تنامى الاستياء والغضب، أو على صعيد مؤسسة الرئاسة التي نبهت مرات إلى خطورة الوضع وحذّرت من عواقبه.
لم تُدرك «حركة النهضة» ما آلت إليه هذه الأوضاع الآخذة في التدهور، مثلما لم تفهم عواقبها، وبقيت متخندقةً في جمودها، ورفضت المساعدة في الخروج من الأزمة التي أنتجت خطراً داهماً يهدد بشلل كامل في مؤسسات الدولة، وفوضى شديدة في المجتمع، في ظل تدهور متزايد في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وفي المنظومة الصحية بسبب ازدياد وطأة الجائحة، فضلاً عن الصراع السياسي الذي ينذر بتشظي الدولة.
كان موقف «حركة النهضة» في الأيام السابقة على 25 يوليو الماضي يشبه إلى حد كبير ما كان عليه موقف جماعة «الإخوان» وحزبها في مصر عشية يوم 30 يونيو 2013، مع اختلاف في تفاصيل كبرت أو صغرت. لم تستوعب الحركة التونسية الدرس من تجربة جماعة «الإخوان» في مصر حينذاك. أحدث سقوط هذه الجماعة صدمةً مؤقتةً دفعت حركة النهضة لأن تأخذ خطوة إلى الوراء. فقد اضطرت إلى إبداء بعض المرونة عندما وجدت أن الشارع بدأ في التحرك ضدها، بعد عمليات اغتيال سياسي اتُهمت بالتستر عليها لحماية أنصارها الذين يُعتقد أنهم ضالعون فيها. لكنها لم تلبث أن عادت إلى الموقع الذي تراجعت عنه مؤقتاً، بل تخطته تدريجياً إلى أن دخلت في صدام مباشر مع قطاعات واسعة من الشعب، ومع مؤسسة الرئاسة.
وليست هذه المرة الأولى التي يعجز فيها أحد تنظيمات «الإخوان» عن استيعاب درس أو دروس، بخلاف ما يفعله العقلاء الذين يتأملون تجاربهم السلبية ويستخلصون منها ما يعينهم على تجنب تكرارها أو إعادة إنتاجها. كان هذا حال ما يُسمى الجماعة الأم في مصر، إذ عجزت عن استيعاب دروس صدامها الأول مع الحكومة، والذي أدى إلى حلها عام 1948. ولم تمض ثلاث سنوات على استعادة وضعها القانوني حتى أعادت إنتاج تلك التجربة ودخلت في صدام جديد عام 1954 أنهى وجودها في الساحة السياسية لما يقرب من عقدين.
وبعد أن بدا للبعض، وربما لكثيرين، أنها استوعبت دروس التجربتين عندما أعادها الرئيس الراحل أنور السادات إلى الساحة السياسية وفق شروط محددة، تبين أن الذهنية الإخوانية عصية على الإدراك السياسي. فما أن وصلت إلى السلطة عام 2012، حتى ظنت قيادتها أن وجودها في مؤسسة الرئاسة يكفي لتحقيق مشروعها، فدخلت في صدام مع أطراف عدة، ومع القطاع الأوسع من الشعب. وها هي «حركة النهضة» تمضي في الطريق نفسها، وتُعيد إنتاج تجربة الجماعة الأم في مصر، وتُثبت أنها لا تختلف عن غيرها من تنظيمات ما يُطلق عليه الإسلام السياسي، بخلاف ما اعتقده بعض الدارسين والمُحللين العرب والأجانب في السنوات الماضية.
مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية