البحر الكاريبي يرتبط في خيال كثيرين من الأميركيين بشواطئ ومنتجعات رائعة ومياه فيروزية نقية. لكن الصيف الحالي أصبح، لسوء الحظ، صعباً للغاية في المنطقة، ولذا يتعين على الولايات المتحدة تكريس المزيد من الاهتمام بأقرب جيرانها. فمن كوبا وهايتي في الشمال إلى فنزويلا في الجنوب ونيكاراجوا في الغرب، ترتفع رايات الخطر. وأنا أعرف هذا الجزء من العالم، فقد وُلدت في جنوب فلوريدا ثم عملت قائداً لثلاث سنوات زاخرة بالأحداث في نهاية العقد الأول من القرن الحالي. وانصب التركيز حينذاك على كولومبيا التي كانت تحت تهديد تمرد واسع النطاق لجماعة «القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك)». وكادت هذه المنظمة الإرهابية وثيقة التحالف مع عصابات المخدرات أن تتسبب حينذاك في انهيار الحكومة.
وبدعم من «خطة كولومبيا»، قدم برنامج أميركي مئات الملايين من الدولارات سنوياً في صورة مساعدات تنموية ودبلوماسية وعسكرية. واستطاعت كولومبيا إرغام المتمردين على الجلوس إلى طاولة التفاوض والتوصل إلى تسوية عام 2016. صحيح أن هذا ليس مثالياً- فمازال هناك إرهابيون منشقون عن «فارك» وجماعات مسلحة أخرى وعصابات إجرامية- لكن كولومبيا في وضع أفضل بكثير عما كانت عليه في أي مرحلة خلال الخمسين عاماً الماضية. فقد كانت كولومبيا «مستورد» للأمن من الولايات المتحدة، لكنها تستطيع الآن المشاركة في جهود تتخطى حدودها. وتستطيع تدعيم شراكتها المستمرة منذ عقدين مع واشنطن. فكيف يتعاون الكولومبيون من أجل تحقيق الاستقرار في بلدان حوض الكاريبي؟
لنبدأ بفنزويلا. هناك ستة ملايين لاجئ فنزويلي خارج حدود بلادهم نتيجة الفقر والافتقار إلى فرص العمل وكوارث طبية- من بينها كوفيد-19. وتدفق ما يقرب من مليوني فنزولي إلى كولومبيا التي تجد صعوبة في التعامل مع الأزمة. ففي مؤتمر عبر الإنترنت لـ «مجلس العلاقات الخارجية» البحثي في الآونة الأخيرة، صرح الرئيس الكولومبي إيفان دوكي قائلاً «تلقينا مساعدة أقل بكثير مقابل هذا العدد من اللاجئين عن أي دولة أخرى تواجه وضعاً مشابهاً». ويرى دوكي أن اللاجئين السوريين مولهم المجتمع الدولي بنحو 2000 دولار للفرد الواحد، واللاجئون السودانيون حصلوا على نحو 1800 دولار للفرد، لكن كولومبيا حصلت على 300 دولار فقط لكل لاجئ فنزويلي داخل أراضيها.
والحدود البرية الطويلة بين فنزويلا وكولومبيا وأيضاً المياه الكاريبية قبالة شواطئهما مترعة بالتوترات. واللاجئون يفرون أيضاً من كوبا وهايتي عقب اضطرابات اقتصادية وتفشٍ لكوفيد والافتقار إلى اللقاحات وعدم الاستقرار السياسي. وفي هايتي هناك انهيار للسلطة المدنية منذ اغتيال الرئيس جوفينيل مويس في يوليو الماضي. والنظام الكوبي رد على احتجاجات واسعة النطاق باعتقال المئات. وهناك نحو عشرة آلاف مهاجر من الجزيرتين وصلوا إلى بلدة صغيرة في الشواطئ الجنوبية الكولومبية وكثيرون منهم يريدون عبور أميركا الوسطى ليصلوا إلى الولايات المتحدة. وكل عدم الاستقرار هذا فاقمته تحديات الكاريبي المعتادة مثل تجارة المخدرات ونشاط العصابات وتهريب البشر واقتراب ذروة موسم الأعاصير.
صحيح أن الولايات المتحدة منشغلة بتحديات عالمية أخرى مثل إدارة الانسحاب العسكري من أفغانستان ومنافستها مع الصين وعودة تصاعد كوفيد في البلاد وصعوبات أخرى، لكن القيام بمجموعة من التحركات قليلة الكلفة نسبياً قد تساهم في تقديم المساعدة. ويجب أن يكون وضع خطة استراتيجية لجنوب الكاريبي بالتنسيق مع كولومبيا على قمة القائمة. وصرح «دوكي» أنه يأمل أن يعمل مع واشنطن للتصدي للتحديات.
وتستطيع الولايات المتحدة إقامة قيادة سياسية ودبلوماسية إقليمية من خلال مكاتب «منظمة الدول الأميركية». ويجب أن يتضمن هذا فرض عقوبات جديدة على الأنظمة المناهضة للديمقراطية في فنزويلا وكوبا ونيكاراجوا. ويُحسب لفريق بايدن أنه بدأ يعاقب القيادة الكوبية. وعلى أقل تقدير، تستطيع منظمة الدول الأميركية معالجة وضع اللاجئين الفنزويليين باعتباره عبئاً مالياً جماعياً، كما فعل الاتحاد الأوروبي في سوريا. وتستطيع الولايات المتحدة أيضاً التصدي لجانب العرض من تجارة المخدرات من خلال التصدي لزراعة الكوكا، ولعمليات النقل البحري والجوي في الكاريبي. وهذا إلى جانب التصدي بقوة للطلب في الولايات المتحدة الذي يحرك سوق المخدرات.
جيمس ستافريديس
القائد الأعلى السابق لقوات حلف شمال الأطلسي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»