أقلية محظوظة من الدول فقط تستطيع توفير التطعيم ضد فيروس كورونا للسواد الأعظم من سكانها. وهي تتركز عموماً في الغرب، حيث تمكنت الولايات المتحدة وكندا وأوروبا من الحصول على إمدادات كبيرة من الجرعات في وقت ما زالت فيه بلدان في العالم النامي تكافح من أجل تطعيم موظفي القطاع الطبي. الجرعات بالمجان ومتاحة بشكل واسع للجمهور، وإنْ كانت سرعة إطلاق عملية التطعيمات قد اختلفت على جانبي الأطلسي. ولكن وسط ارتفاع حالات الإصابة بمتحور دلتا سريع الانتشار – ورفض أعداد مهمة من الناس تلقي اللقاح – تخلص الحكومات الآن إلى ضرورة بذل جهود أكثر.
ففي الولايات المتحدة، استُبدل الشعور بانتصار على الوباء في الربيع بصيف من الخوف المتجدد، في وقت تجاوز فيه عدد الإصابات الموجة الثانية التي ضربت البلاد قبل عام. الأغلبية الساحقة من الإصابات الحادة التي تتطلب دخول المستشفى لتلقي العلاج تتعلق بغير الملقَّحين، ولكن أدلة على حالات عدوى بين الملقَّحين أرغمت «مراكز مراقبة الأمراض والوقاية منها» على مراجعة إرشاداتها الأسبوع الماضي إذ حثّت حتى الأشخاص الملقَّحين على ارتداء الكمامات في العديد من الحالات في الأماكن المغلقة.
وبعد أن كانت متقدمة في توزيع اللقاحات على سكانها، تحتل الولايات المتحدة الآن مرتبة أدنى من الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى بريطانيا وإسرائيل، بخصوص نسبة سكانها المطعَّمين. ويعزى التباطؤ بشكل كامل تقريباً إلى التردد في تلقي اللقاح، حيث وجد استطلاع حديث للرأي أجري لحساب صحيفة «واشنطن بوست» وشبكة «إي بي سي» التلفزيونية أن 29 في المئة من الأميركيين يقولون إنهم من غير المحتمل أن يتلقوا اللقاح – وهو ما يمثّل زيادة بخمس نقاط مقارنة مع استطلاع مماثل للرأي أجري في أبريل الماضي. وفي بعض الأجزاء من البلاد، «أصبح رفض تطعيم فيروس كورونا»، علامة مميزة للانتماء إلى مجموعة سكانية معينة، كما كتبت عالمة الاجتماع «بروك هارينغتون».
هذه المقاومة – وبغض النظر عن توافر التطعيمات على نطاق واسع، وفي بعض المناطق، للمكافآت النقدية وحوافز أخرى تقدّم للأشخاص لتشجيعهم على تلقيها – غذّت الدعوات إلى اتخاذ تدابير أكثر صرامة من قبل الحكومة الفيدرالية، بما في ذلك أسئلة تطرح بشأن اشتراط التلقيح على الصعيد الوطني. وحتى الآن، فإن الشركات الخاصة هي التي رسمت الاتجاه في الولايات المتحدة، حيث جعلت شركات مثل «فيسبوك» و«غوغل» وديزني و«واشنطن بوست» من التلقيح شرطاً للعودة إلى العمل.
وفي أوروبا، اتخذت بعض الحكومات إجراءات أكثر شراسة، حيث تبنت بروتوكولات تُلزم الأشخاص بالإدلاء بما يدل على تلقيهم التطعيم أو أجساماً مضادة من أجل ممارسة حياتهم اليومية بالشكل المعتاد. وفي هذا الإطار، كتب زميلي «شيكو هارلان» يقول:«إن فرنسا واليونان وإيطاليا تلزم الأشخاص بالإدلاء بجوازات سفر خاصة بكوفيد- 19 من أجل الذهاب إلى المطاعم والقاعات الرياضية وقاعات السينما وأماكن أخرى حيث يجتمع الناس، ومن جهتها، تقول بريطانيا إن الناس سيحتاجون للإدلاء بوثائق من أجل دخول المطاعم وأماكن مزدحمة أخرى اعتباراً من سبتمبر. ولكن مسؤولين بريطانيين أشاروا إلى أنهم أقل اهتماماً بالإلزام منه بتحفيز الناس وتشجيعهم على تلقي اللقاح».
وتتمثل الفكرة في أنه كلما كانت أعداد الأشخاص الذين يتلقون اللقاح كبيرة، ازدادت الفرص لتقليل الانتشار وتقييد الظروف التي يمكن أن تؤدي إلى تحور أكثر ضراوة للفيروس. وفي هذا الصدد، قال «سيرجيو أبرينياني»، الاختصاصي في المناعة الذي يقدّم استشارات للحكومة الإيطالية، لبعض زملائي:«إن القاعدة تقول إنك بحاجة إلى ترك مجال مناورة أقل للفيروس»، مضيفاً:«فكلما كان عدد الأفراد غير الملقَّحين الذين يجتمعون معاً أقل، انخفضت فرص انتشار الفيروس».
غير أن فكرة اشتراط التلقيح من قبل الحكومة أثارت رد فعل غاضباً. فقد شهدت فرنسا ثالث نهاية أسبوع على التوالي من المظاهرات المناهضة لجوازات سفر للتلقيح، حيث اشتبك متظاهرون في باريس مع الشرطة. وسبب غضبهم هو جواز مرور صحي جديد اشترطته حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون التي ستفرض على الناس، بحلول الاثنين المقبل، الإدلاء بوثائق التلقيح، أو نتيجة سلبية فحص فيروس كورونا، من أجل دخول المطاعم وأماكن عامة أخرى.
وفي إيطاليا وفرنسا، ندّد سياسيون وشخصيات عامة من اليمين المتطرف وأقصى اليسار بالطبيعة المنتهكة للخصوصية لهذه القواعد الجديدة.
غير أن هناك أيضاً نفاد الصبر المتزايد وغضب المطعمين، الذين ينظرون إلى احتجاجات مناهضي اللقاحات ليس كدفاعات عن الحرية الفردية وإنما كانعكاس لنوع من الأنانية الضيقة. وقال جرمن لوبيز من موقع «فوكس» الإخباري في هذا السياق:«إذا كانت مقاومة الناس لتلقي اللقاح تؤدي إلى انتشار بؤر أكثر لكوفيد- 19، والأسوأ من ذلك، إلى صعود فيروس متحور يستطيع التغلب على اللقاحات الحالية، فإن ما سيترتب على ذلك من حذر وقيود سيعيق حريات الأشخاص بشكل أكبر بكثير».
رأي يشاطره حتى بعض السياسيين «الجمهوريين». إذ قالت حاكمة ولاية ألاباما «كي آيفي»، «الجمهورية»، هذا الشهر: «لقد حان الوقت لكي نشرع في تحميل الأشخاص غير الملقحين المسؤولية، وليس الناس العاديين»، مضيفة:«إن الأشخاص غير الملقَّحين هم الذين يخذلوننا!».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»