إشارةُ الرئيس الإيراني المنتخب، إبراهيم رئيسي، بداية الأسبوع، خلال اتصال هاتفي مع صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد، سلطان عمان، حسب تقرير لوكالة «إرنا»، وتأكيدُه أن الحوار مع دول الجوار هو «أولوية الدبلوماسية للحكومة الإيرانية المقبلة» قد تعيدنا إلى تصريحات الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني خلال شهري يونيو ويوليو 2013، بعد انتخابه لولايته الأولى وتأكيده في معظم التصريحات أن أولوية حكومته هي تعزيز العلاقات مع دول الجوار سواء دول الخليج أو البلدان العربية، وأن لذلك أهمية استراتيجية بالنسبة لإيران، بل وكان يؤكد على أمله إقامة علاقات جيدة مع الدول المجاورة، ما يدفع لطرح سؤال جوهري: هل هذه مجرد «كليشيهات إيرانية» متوفرة دائماً لكل رئيس إيراني يتم انتخابه، أم أن هناك رغبة ونية حقيقية في إيران وليس «رئيسي» فقط لبدء حوار وفتح صفحة جديدة مع دول الجوار؟
ليس هناك قانون دولي يمنع إطلاق التصريحات حول كلمة «حوار»، فهذا حق مكتسب لكل سياسي وكل دولة، فهي من ناحية تستخدم في بالونات الاختبار، وتستخدم أيضاً لطمأنة الشعوب داخلياً وإرسال رسالة واضحة لهم بأن الدولة مقبلة على مرحلة جديدة، ما يبعث الأمل في النفوس.
ولكن استخدامها من دون رغبة ونية بتنفيذها وتقديم مبادرات بشأنها وفتح قنوات خلفية أو وسيطة لتحقيقها، يجعل آثارها قاسية على من يطلقونها من دون عمل. وأنتم تعرفون ماذا يكون الكلام من دون عمل، إنه أقرب إلى الثرثرة المملة.
الحوار جيد، تحتاجه إيران أكثر من أي وقت مضى، وقد قدمتُ فكرة دعوة خلال الأسابيع الماضية لإيران باختيار عاصمة خليجية تستقبل وتستضيف مفاوضات الاتفاق النووي، تحضرها دول الجوار ودول الاتفاق 5+ 1. وقد تكون هذه بداية مقبولة تساعد إيران على الخروج من المأزق السياسي والاقتصادي الذي تعيشه منذ فرض العقوبات الأميركية والقطيعة اللامجدية مع دول الجوار، والتي قد تفتح لها آفاقاً حقيقية تساعدها في بناء علاقات متينة راسخة مع دول الخليج العربي والدول العربية عموماً.
صحيح أن الرئيس الإيراني المنتخب لم يأتِ من خلفية اقتصادية أو سياسية، بل هو شخصية قانونية قضى زمناً طويلاً في هيكلية السلطة القضائية الإيرانية، فعمل مدعياً عاماً ثم معاوناً لرئيس السلطة القضائية خلال الفترة 2004 حتى 2014، بعدها مدعياً عاماً لإيران، ثم رئيساً للسلطة القضائية عام 2016، وبما أن شعار حملته الانتخابية كان الدفاع عن الطبقات المهمّشة ومكافحة الفساد ومحاربة الفقر، لذلك فمن المعقول أيضاً أن تكون خليفته القضائية القائمة على أسس العدل أن تبدأ بالعدل المباشر تجاه الشعب الإيراني من خلال سحب الميزانيات والأموال التي تُدفع للجماعات الإرهابية في العراق وسوريا ولبنان واليمن وتتسبب في علاقات سيئة مع دول الجوار والدول العربية وتوظيفها للداخل الإيراني، والذي سيخلق أرضية قوية وراسخة يمكنها احتمال حوار بناء يُفضي إلى علاقات متينة وطيبة مع دول الجوار.
يشير «رئيسي» خلال مكالمته مع صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد إلى أنه سيعمل على تنظيم برنامج شامل يهدف إلى تطوير العلاقات الاقتصادية تحت إشراف خبراء بارزين من الطرفين وتنفيذه بموافقة قادة الجانبين، وهذه خطة عمل يمكن من خلالها فهم أن الرئيس الإيراني المنتخب لديه رؤية حول «الحوار والتشاور وتبادل الأفكار مع دول الجوار»، وهذه الرؤية بشأن القضايا والملفات المهمة في المنطقة، وكما يصرّح حرفياً بأنها تعد أولوية دبلوماسية لحكومة إيران المقبلة، ولذلك فإن دول الجوار، بالمقابل، تنتظر من الرئيس الإيراني المنتخب بوادر خطوات عملية يمكنها فتح الأبواب لخطوات عملية من دول الجوار تساعد على وضع خريطة طريق مع إيران لإنهاء حالة الصراع القائمة منذ سنوات طويلة.
لا نقول إن المكاسب والمنافع بإيجاد خريطة طريق للحوار ستعود على إيران وحدها، أو الشعب الإيراني فقط، بل إنها ستساعد شعوب المنطقة كلها في المضي نحو مرحلة جديدة من التحول والتطور والسلام القائم على الأخوة الإنسانية بمعانيها الحقيقية وليست الضيقة أو المشحونة بالعداء والخصومة، والتي ستنعكس إيجابياً على الأجيال المقبلة الذين يستحقون عالماً أفضل يسود فيه العدل والإنصاف والتسامح.
الأيام القادمة ستحمل الكثير من الأنباء حول ما يمكن لإيران أن تقدمه من أفكار ومبادرات حول «الحوار البناء مع دول الجوار»، وإن غداً لناظره قريب.
عبد الله السيد الهاشمي*
*لواء ركن طيار متقاعد