أخذ الاقتصاد الهندي يخرج ببطء من تأثيرات الضربة التي تلقاها من الموجة الثانية لوباء فيروس كورونا. وكانت الموجة الثانية قد اجتاحت البلاد في وقت كان اقتصاده قد بدأ يتسارع بعد أن ضرب الوباءُ الهند أول مرة وفرضت الحكومةُ إغلاقاً شاملاً. وقد كان لدى الهند واحد من أكثر الإغلاقات تشدداً في مارس من العام الماضي إذ أدى إلى توقف النشاط الاقتصادي.
ونتيجة لذلك، فقد مئات الآلاف من العمال وظائفهم، وانخفض الطلب، وأُغلقت الشركات والقطاع الصناعي. وانكمش الاقتصاد بـ23,9 في المئة خلال الربع الثاني من العام الماضي. ولكن هذه المرة لم يكن الإغلاق متشدداً مثل إغلاق العام الماضي وإنما كان محلياً أكثر. ذلك أن حركة نقل الأشخاص لم تُقيّد بشكل كامل، ومُنحت الولايات الهندية صلاحيات لفرض إغلاقات بدرجات متفاوتة وفق مستوى تفشي العدوى داخل النطاق المحلي. ومع ذلك، فإن الشعور العام بين الشركات وقطاع المال والأعمال تأثر وكذلك الحال بالنسبة للنشاط الاقتصادي. والآن، أخذ تأثير الموجة الثانية يتبدد ببطء وبدأ النشاط الاقتصاد ينتعش من جديد وإن ببطء. وفضلاً عن ذلك، كشفت الحكومة عن حزمة تحفيز اقتصادي من أجل تنشيط الاقتصاد.
وكانت الحكومة قد أعلنت العام الماضي عن حزمة بقيمة 266 مليار دولار. وهذا الأسبوع، أعلن وزير المالية الهندي عن مجموعة من التدابير المالية التي تهدف إلى تقوية الاقتصاد. وإجمالاً، أُعلن عن حزمة لتنشيط الاقتصاد بقيمة 6.3 تريليون روبية تتضمن نظاماً جديداً لضمان ائتماني بالنسبة لقطاعات الصحة والسياحة والقروض الصغيرة. ويُتوقع من التدابير الجديدة أن تساهم في تحسين مرافق الصحة العامة، وخاصة في المناطق التي تعاني من نقص في مستوى الخدمات، وتعزيز الاستثمارات الخاصة في البنية التحتية الطبية، وزيادة الموارد البشرية الأساسية. كما تم التركيز على تقوية منشآت الرعاية الصحية بالنسبة للأطفال. غير أنه من غير المعروف ما إن كانت حزمة التحفيز الاقتصادي ستساعد الشركات التي تعاني من مشاكل مالية وستشكّل دفعة للنشاط الاقتصادي، الذي بدأ يبدي تعافياً بطيئاً، وإن كان الحجم الكامل للخسائر لم يُعرف بعد.
وفي الأثناء، أخذ نشاط قطاع البيع بالتجزئة أيضاً ينتعش ببطء ويُبدي مؤشرات على التعافي. غير أن أحد العوامل المهمة والمؤثّرة يتمثل في كيف سيُستأنف النشاط الاقتصادي في الهند الريفية، التي تضررت من الوباء بشدة خلال الموجة الثانية. ذلك أن الاستهلاك في الهند الريفية يُعد مفتاحاً لنمو الهند الاقتصادي وتعافيها. والمشكلة في الوقت الراهن هي أن الإنفاق تقلص.
وبالنظر إلى أن الهند اقتصاد يحرّكه الاستهلاك، فإنه من غير المعروف السرعة التي سيزداد بها الاستهلاك. وضمن ما اعتبرته الحكومة مؤشراً على المرونة والقوة، سُجلت مستويات قياسية لضرائب السلع والخدمات التي حُصّلت خلال الأشهر القليلة الماضية رغم الجائحة. ولئن كان الاقتصاد الهندي قد نهض بسرعة مما يمكن تسميته بالركود التقني، فإن انخفاض الناتج المحلي الإجمالي سابق زمنياً على الوباء، ذلك أن النمو كان قد بلغ 4.7 في المئة خلال الربع الأخير من 2019، وهو أدنى مستوى له منذ ست سنوات، وذلك بسبب التوظيف غير الكافي، وانخفاض الاستهلاك، وتقلص الإنفاق الحكومي، والتساقطات المطرية غير الكافية التي أثّرت على الإنتاج الزراعي. وكانت الزراعة شهدت دفعة قوية العام الماضي بفضل التساقطات المطرية والظروف المناخية المواتية التي ساهمت في دعم الاقتصاد. وهذا العام، بدأ موسم أمطار للتو، وهناك آمال في محصول زراعي جيد.
غير أن التعافي الاقتصادي يعتمد أيضاً على كيفية انتشار الوباء مستقبلاً، وما إن كانت ستحدث موجة ثالثة. وبالتالي، فإن الاقتصاد يعتمد أيضاً على السرعة التي يستطيع بها البلد تلقيح أغلبية من إجمالي سكانه الضخم، علما بأن حتى البلدان الأصغر حجماً التي لديها عدد سكان أقل تكافح وتواجه مشاكل جمة في التطعيم، ولهذا، يظل هذا الأخير تحدياً كبيراً بالنسبة للهند. غير أن أحد مصادر القلق الرئيسية في الهند هو ضرائب الوقود المرتفعة، إضافة إلى تعافي معدلات النفط الخام الدولية. فهذا الأمر أثّر سلباً على الأسر التي كانت تعاني أصلاً من فقدان الدخل أو ارتفاع البطالة. وهذا بدوره يعرّض التعافي الاقتصادي للخطر.
ذلك أن أسعار بيع الوقود بالتجزئة ترتفع إلى مستويات قياسية بشكل شبه يومي. إذ تجاوز سعر الوقود عتبة الـ 100 روبية للتر، وهو ما يعادل حوالي دولار ونصف الدولار، في حين يقترب الديزل ببطء من عتبة الثلاثة أرقام. وحسب تقارير وسائل الإعلام الهندية، فإن سعر البترول في مدن هندية كبيرة مثل مومباي ودلهي يكلّف ضعف سعره تقريباً في نيويورك. وكل هذا سيكون له بكل تأكيد تأثير على التعافي الاقتصادي. فيوم الأربعاء، خفضت وكالة موديز توقعاتها بشأن نمو الاقتصاد الهندي إلى 9,6 في المئة لعام 2021 من تقديراتها السابقة.
ومن جانبه، خفض «البنك الاحتياطي الهندي» توقعاته للنمو الحقيقي إلى 9.5 في المئة في السنة المالية الحالية التي تمتد من أبريل 2021 إلى مارس 2022. غير أنه مع ذلك يُتوقع أن تبقى الهند في نهاية المطاف واحداً من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم.
*مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي