أدى عام من جائحة فيروس كورونا إلى تزايد متواصل في سعر طبق «جولاف» النيجيري الشهير. وفي سوق ناينيا، القريب من العاصمة النيجيرية أبوجا، ارتفع سعر الأرز الذي يشكل أساس الوجبة المحلية 10%. وذكرت شركة استشارات نيجيرية أن سعر علبة معجون الطماطم الصغيرة ارتفع 29% وسعر البصل ارتفع أكثر من 30%، وهي من مكونات إعداد الطبق. وتزايد أسعار الغذاء للمستهلك يمثل مشكلة محلية وعالمية أيضاً. ففي روسيا زادت أسعار المعجنات، والغلاء في الهند طال زيت الطهي، وفي لبنان ارتفع سعر الخبز. وفي الأرجنتين الشهيرة بلحومها، تضاعف سعر قطع معينة من لحوم الماشية إلى المثلين تقريباً، وبلغ استهلاك اللحوم أدنى مستوى في البلد الجنوب أميركي.
وتصدر غلاء الغذاء العناوين الصحفية حول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة التي ارتفع فيها التضخم 5% في أعلى مستوى في 13 عاماً. والأرقام لا ترتفع بشكل موحد، ونبه محللون إلى أن ارتفاع أسعار الغذاء ليس دوماً أنباء سيئة. لكن حين يتداخل تزايد غير متناسب في كلفة الطعام مع عوامل اقتصادية واجتماعية أخرى، قد تصبح النتائج ثقيلة العبء. وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) أن مؤشر أسعار الغذاء الذي يقيس الأسعار العالمية لسلة معينة من الأغذية بلغ قمماً في مايو لم يبلغها منذ 2011، محققاً ارتفاعاً بنسبة 40% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وهناك عدة عوامل مسؤولة عن ارتفاع أسعار الغذاء، بما في ذلك تصاعد الطلب من الصين وتقلب أسعار النفط وتراجع سعر الدولار، وفوق على كل هذا الجائحة، وعودة فتح النشاط الاقتصادي، في بعض المناطق. لكن خبراء يقولون إنه في ظل تصاعد عدد السكان والعولمة وتغير المناخ قد لا يصبح ارتفاع الأسعار مجرد تغير عابر.
وتضررت نيجيريا اقتصادياً على مدار العام الماضي؛ بسبب انخفاض أسعار النفط الذي يعد من صادراتها الأساسية. وبلغت نسبة البطالة 33% في عام 2020، بينما بلغت نسبة التضخم أكثر من 18% في الشهرين الماضيين. والميليشيات سيطرت أيضاً على أراض زراعية كبيرة وطرق محورية لنقل المنتجات الزراعية في الولايات الشمالية. وكان لإغلاق الطرق أثناء الجائحة وتراجع قيمة النيرة، عملة نيجيريا، تأثير أيضاً.
وفي روسيا، ارتفع أيضاً سعر طبق «بورش» المحلي الشهير الذي يدخل الشمندر الأحمر ومجموعة من الخضراوات واللحوم في صناعته. واُستخدم هذا الطبق أيضاً كمؤشر على ارتفاع أسعار الطعام في روسيا. فقد ارتفع «مؤشر بورش» هذا العام، مما يعني ارتفاع أسعار مكوناته، بنسبة 12% منذ بداية الجائحة، وفقاً لبيانات روسية رسمية. لكن أسعار المعجنات هي التي أثارت انتباه الرئيس فلاديمير بوتين في اجتماع للحكومة في ديسمبر العام الماضي.
وكانت أسعار المعجنات قد ارتفعت في ذاك الوقت بنسبة 10.5%. وفرضت البلاد إجراءات مشددة للسيطرة على التصدير وأسعار المعجنات. صحيح أن معدل التضخم ليس أكبر بكثير مما هو عليه في الولايات المتحدة- بلغ في روسيا 6% فقط الشهر الجاري- لكن أسعار الغذاء أصبحت قضية سياسية أساسية. فقد أشارت استطلاعات رأي في فصل الربيع من العام الجاري إلى أن 58% من الروس يعتبرون أسعار الطعام في البلاد أكبر مشكلة. وروسيا من أكبر مصدري القمح في العالم. وتعهدت الحكومة بمضاعفة إنتاجها من القمح القاسي بحلول عام 2025 في مسعى فيما يبدو لتوفير ما يكفي من الطحين لصناعة المعجنات.
والأرجنتين، لطالما اشتهرت بلحومها. لكن على مدار العام الماضي، هدد ضعف استهلاك اللحوم حتى مشويات «اسادو» التي تشتهر بها البلاد. وفي عام واحد فحسب، ارتفع سعر الكيلو جرام من الأضلع القصيرة في الماشية أكثر من 90%، وفقاً لبيانات «معهد دعم لحم البقر الأرجنتيني». وفي يناير، بدأت صناعة اللحوم تشتكي من تسجيل انخفاض قياسي في الاستهلاك حتى انخفض ما يستهلكه المرء إلى 49.7 كيلوجرام في عام 2020، أي أقل من نصف القيمة التي بلغها عام 1956. ورغم التضخم الذي مثل مشكلة كبيرة في الأرجنتين في السنوات القليلة الماضية- ويتوقع أن يبلغ 50% هذا العام- جعلت حكومة البرتو فيرنانديز من الغذاء أولوية.
والحكومات لديها أسباب قوية لتخشى من ارتفاع أسعار الغذاء. فقد حذر البنك الدولي في الآونة الأخيرة من أن ارتفاع أسعار الغذاء قد يضع سبعة ملايين نيجيري بين براثن الفقر. كما أصبح ارتفاع أسعار الغذاء نداء للاحتشاد حول زعماء معارضة شعبيين. والمستوى المرتفع الذي بلغه مؤشر منظمة الفاو للغذاء الشهر الماضي لم يبلغه من قبل إلا عام 2011.
لكن العلاقة بين أسعار الغذاء العالمية والاضطرابات تتأثر بعوامل متعددة. والأسعار العالمية مثل مؤشر الفاو والأسعار التي يدفعها المستهلك نادرا ما تتلازم. وذكر عبد الرضا عباسين، الاقتصادي البارز في الفاو الذي ساعد في تصميم مؤشر أسعار الغذاء أن العوامل المسببة لارتفاع الأسعار قد تتلاشى في المدى القريب، لكن تفاقم التقلبات بسبب المنافسات الجيوسياسية وتغير المناخ قد يكون هو توجه المدى الطويل. وحذر صندوق النقد الدولي في الآونة الأخيرة أنه إذا واصلت أسعار الغذاء ارتفاعها سيكون الأكثر تضرراً هم المستهلكين في الأسواق الناشئة والاقتصاديات النامية التي مازالت تصارع آثار الجائحة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»