أحد أصحابي الكرام أخبرني أنه وبعدما اقتنى السيارة الكهربائية، أصبحت محطات التزود بالوقود عنده من الماضي. لقد استبدل ذلك بشحن سيارته في بيته، وفي يوم من الأيام وبينما كان في جولة مع أولاده في سيارته رأى في الشارع علامة أمامك محطة وقود، سأل أولاده عن معنى هذه العلامة!
فقالوا له مستغربين، إنها المكان الذي تقف فيه السيارات للتزود بالوقود، فلما مر بجانبها قال لهم بالنسبة لي إنها بقالة متطورة، أو مكان لغسل السيارة من الأدران. بعد أن جرب تلاميذ المدارس خلال جائحة كورونا التعليم الافتراضي والتعلم المدمج كيف سينظرون إلى المدرسة إنْ عادوا لها في الحول القادم، وهي بصورتها التقليدية؟ هل ستتغير وظيفة المدرسة في المجتمع كما تغيرت أدوار محطات التزود بالوقود مع انتشار السيارات الكهربائية؟
أقترح على الجهات المعنية بالتعليم تشكيل لجنة خبراء من الأكاديميين والمعلمين ومديري المدارس، للإجابة عن سؤال مدرسة المستقبل بعد كورونا وإدخال تطويرات ملموسة على صيرورة العملية التعليمية، إنْ لم نقم بذلك ستصبح المدرسة من الماضي الذي لا يحتاج الإنسان التوقف عنده كما هي حالة صاحبي عندما اقتنى السيارة الكهربائية. قبل أن نبدأ العام الدراسي القادم في مدارسنا نحن بحاجة إلى ردم الفجوات التي تسبب بها التعليم عن بعد، ومن أهمها الفجوة النفسية الاجتماعية والفجوة المعرفية التخصصية وفجوة المهارات الأساسية.
تصوروا معي: طفل التحق برياض الأطفال من سنتين ولم يذهب إلى مقر الروضة، وهو في العام القادم سيلتحق بالصف الأول، هل من الطبيعي أن نبدأ تدريسه وكأن حياته كانت طبيعية، هذا الطفل بحاجة إلى من يعلمه خلال الشهر الأول على الأقل أساسيات التعامل مع غيره من الأطفال والمعلمين، لقد عاش هذا الطفل فترة من العزل الاجتماعي بحاجة إلى دعم نفسي متعمق قبل أن نبدأ في تدريسه، وهذا ما أسميه بالفجوة النفسية الاجتماعية.
أما فجوة المهارات الأساسية فالمقصود بها جبر الخلل لدى هذا التلميذ في المعارف الأساسية مثل القراءة والكتابة والحساب، لأن التعلم في البيت كانت كما نعلم تقوم به الأم أكثر من الطفل، وللمراحل المتقدمة من التعليم هناك فجوات معرفية تخصصية، فنحن ندرك أن الفيزياء مثلاً مرتبطة بمبادئ الرياضيات التي إن لم يتمكن منها الطالب، فإنه لن يستوعب مادة الفيزياء أو أية مادة أخرى لها متطلباتها السابقة، هذه بعض الفجوات التي نحتاج الى ردمها قبل أن نبدأ التدريس الفعلي مع بداية العام القادم.
الأمر الآخر الذي لا بد من التفكير فيه يتلخص في الدروس التي تعلمناها من كورونا والتعلم عن بعد، هل هناك مواد نستطيع أن نحولها كاملة إلى التعليم الافتراضي كي نتيح للتلاميذ دراستها في الوقت المناسب لهم؟ الإجابة من دون شك إيجابية.
علينا حصر هذه المواد وتحويلها إلى مناهج إلكترونية واستثمار الوقت المحدد لها في جدول المدرسة للتعمق في مواد أخرى، تحتاج إلى مزيد من الوقت لدراستها. مدرسة المستقبل تتلخص في كونها مركزاً للتربية، أما التعليم فستكون له وسائطه المختلفة.