رحل وزير الدِّفاع الأميركي، المؤسس للوضع المزري بالعِراق، دونالد رامسفيلد(1932-2021)، ولفضلة بوجود اللادولة، مُنح مجسم سيف عليّ بن أبي طالب «ذوالفقار»، تتويجاً لما حصل عليه مِن أوسمة سابقة: الحريَّة الرَّئاسي، الصُّوفة الذَّهبية، نجمة رومانيا، الصَّليب الأعظم. قَدمَ سيف عليّ، لرامسفيلد، أمين حزب «الدَّعوة الإسلاميَّة» السَّابق، ورئيس الوزراء الأسبق إبراهيم الجعفري، ومعلوم يُعد أرفع وسام لدى الإماميَّة عموماً، لأنه السَّيف الذي أهداه النَّبي لعليٍّ، وفي الأدب الشِّيعيّ والسُّنّيّ تُذكر المناداة يوم «أُحد»(3هجريَّة): «لا سيف إلا ذو الفقار/ولا فتى إلا عليَّ»(ابن هشام، السِّيرة). السَّيف الذي غُنم ب «بدر»(2 هجريَّة)، مِن العاصي بن منبه.
كنا ذكرنا قصة السَّيف، على صفحات «الاتحاد»(سَيْف ذو الفَقَار.. هدايا ونُصب 1/10/2019). كيف أُدخلت عليه صورة خنجر أبي لؤلؤة، ذي الشَّفْرتين- الذي اغتيل به عمر بن الخطاب(23 هجريَّة)- مزج الخنجر بالسَّيف، خلال المد الصَّفوي المغالي وما بعده بإيران-لم يعد «ذو الفقار» مثلما ورد في كُتب التَّاريخ، إنما ظهر برأسين، وهي رمزيَّة مدمرة، وفجور في الكراهيَّة والعداوة، أن يُجعل مِن صورة سيف النَّبي، ثم عليّ، أداةً لقتل خليفة المسلمين الثَّانيّ، وتباهي بعدم الخجل أنْ يُهدى السَّيف ذاته لوزير الدِّفاع الغازي، بعد أن بان التَّدمير في الشُّهور الأولى مِن الغزو، كأن إهداء الرَّمز الشِّيعيّ عِرفاناً بعمل المستحيل، أنْ تدخل هذه الجماعات القصور الرئاسيَّة، وتحكم بغداد باسم المذهب. معلوم أنَّ خنجر أبي لؤلؤة لا يسرُ الملايين مِن العِراقيين، فإقليم كردستان غالبيته مِن السّنّة، والسُّنَّة العرب، إلى جانب الشَّيعة المناوئين لهذه الصَّفقة.
كان حزب «الدَّعوة»، خلال المعارضة، ضد الحصار على العِراق، وفي بياناته تظاهر ضد الحرب لإسقاط النَّظام، لكنَّ سراً كان الناطق باسمه يُنسق معهم. خرج قسم منه عن الإرادة الإيرانية مبكراً، بعد أن فضلت المجلس الأعلى(آل الحكيم) كمظلة للإسلاميَّين العِراقيَّين. لكنَّ الحزب أفحش قبلها في اللاوطنيَّة بنحت الشِّعار: «ذوبوا في الإمام الخميني مثلما ذاب هو في الإسلام». أُخذ مِن رسالة لمحمد باقر الصَّدر(قُتل: 1980)، أوصى فيها الذَّوبان بمرجعيَّة الخميني «الرَّشيدة»(الاتحاد، الذوَبَان في الخُمَينِي: ابتلاع العِراق 8/6/ 2021).
قصد حزب «الدَّعوة» بإعلان الذَّوبان في الخميني، عقيدةً وسياسةً، تسليم العِراق لإيران، ومازال يمارس هذا الدَّور، وتقرباً للأميركان أهدى لوزير الدِّفاع رمزاً إسلامياً قبل أنّ يكون شيعيَّاً. كان جواب الجعفري على أسئلة الإعلامي الموثق حميد عبد الله، عن معنى ومناسبة إهداء السيف لرامسفيلد، الذي أحرجه مواطنوه الأميركان تنديداً بدمويته: «أنا المعطي وهو المعطى له»(برنامج: تلك الأيام)، وفرك الإعلامي راحتيه حيرةً عاجزاً عن الفِهم!
تحقق الذَّوبان التَّام بإيران، ورمزيَّة إهداء «ذو الفقار» للوزير الغازي! كانا منقبتين لحزب الإخوان الشِّيعيَّ: هتك حدود العِراق لإيران، ومسخ وطنيَّة شيعة العِراق بإهداء سيف إمامهم- مشوهاً - لرامسفيلد، فماذا بقي مِن عراقيَّة هذا الحزب؟!
عندما تعاظمت عصابات «الخناقين»(القرن الثَّاني الهجري)، مِن فرق الغلاة الدِّينيَّة بالكوفة، مثلما تفعل الجماعات الدِّينية اليوم، اضطرب العراقيون، وسُدت عليهم المسالك، حتَّى أنَّ أحدَ الغلاة، معدان الشُّميطي، ضاق به الحال فقال: «تَرَكَا بِالْعِرَاقِ دَاءً دَوِيًّا/ضَلَّ فِيهِ تُلَطِّفُ اَلْمُحتَالِ»(الجاحظ، كتاب الحيوان). فما عسى إذابة العِراق بإيران، وصلافة إهداء خنجر أبي لؤلؤة لرامسفيلد تاركتان مِن حيّلةٍ لمحتال، سوى ما نسمع ونرى؟!