اصطدمت جهود مكافحة وباء كوفيد-19 في بداياته، بعجز ونقص حادين في العديد من المواد والمستهلكات والأجهزة الطبية والخدمات الصحية الضرورية، بما في ذلك سوائل تعقيم اليدين، وكمامات الوجه، وأسرّة العناية المركزة، وغيرها. لدرجة أن العديد من الدول الأوروبية والآسيوية، فرضت حينها حظراً على تصدير المستلزمات والأجهزة الطبية خارج أراضيها.
ولكن ربما كان النقص في أجهزة التنفس الاصطناعي (Ventilators)، هو الأشد وقعا والأعظم أثراً. حيث يقدر أن النقص الحاد الذي عانت منه تقريباً دول العالم قاطبة، الغني والفقير منها على حد سواء، تسبب في فقدان الآلاف لحياتهم. بل يعتقد أن معدلات الوفيات المرتفعة في الشهور الأولى من الوباء، يمكن أن يرد جزء كبير منها إلى النقص الهائل في المتوفر من أجهزة التنفس الاصطناعي.
والمؤسف أن هذا النقص حدث، رغم توقع المجتمع الطبي لسنوات عديدة، بقرب وقوع وباء عالمي من مرض تنفسي معد، لن يبقي ولن يذر. وهو ما دفع إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش الابن، قبل خمسة عشر عاماً في سنة 2006، لتوقيع عقد مع شركة صغيرة مقرها ولاية كاليفورنيا، لتصنيع 40 ألف جهاز تنفس اصطناعي، بسعر لا يزيد عن 3 آلاف دولار، والتي تعتبر تكلفة زهيدة بالمقارنة بأسعار تلك الأجهزة حينها وحاليا.
وبالفعل نجحت الشركة في عام 2011 في تقديم نماذج أولية لجهاز تنفس اصطناعي منخفض التكلفة، إلا أن سرعان ما قامت إحدى الشركات الكبرى بشراء الشركة الصغيرة مقابل 100 مليون دولار، ثم تأجيل إنتاج النموذج النهائي للجهاز، ولاحقا إلغاء العقد مع الحكومة الأميركية. والمفارقة أن هذه الشركة الكبرى تدعى «كوفيد-يان»، وتتخصص في إنتاج أجهزة تنفس اصطناعي باهظة الثمن. وهو ما أثار الشكوك لدى البعض في أن صفقة شراء الشركة الصغرى، ووقف عملية الإنتاج، كانت لإجهاض المنافسة من منتج مماثل أرخص تكلفة بكثير، وهو ربما ما دفع الكثيرون حياتهم ثمنا له، وخصوصا في الدول متوسطة الدخل والفقيرة، التي لا يمكنها شراء الآلاف من أجهزة التنفس الاصطناعي باهظة الثمن.
هذا الموقف برمته، وتبعات الوباء الحالي، نتج عنه تولد اتجاه عالمي لتصميم أجهزة تنفس اصطناعي، متاح تصميمها دون مقابل (Open Source)، بما في ذلك برامج الكمبيوتر التي تعمل عليها، تتميز أن مكوناتها متوفرة، أو سهلة التصنيع بإمكانيات بسيطة. سعياً نحو كسر قيود حقوق الملكية الفكرية، واحتكار الشركات الكبرى لتطوير وتصنيع الأجهزة الطبية الحيوية، التي تعتمد عليها صحة وحياة الكثيرين منا.