بَيّنت الكثير من الدراسات أهمية الإجازات في حياة الموظفين، فهي تسهم في تعزيز الصحة بالتخلص من ضغوطات العمل، إضافة إلى الصحة الجسدية، فإن الإجازة تؤثر إيجاباً على الصحة النفسية والعقلية للإنسان، كما أن الدراسات ربطت بين الإجازات وزيادة الإنتاجية، حيث يعود الناس إلى أعمالهم بروح جديدة لأن الاستمرار في العمل طوال العام يقود إلى الملل والكسل الجسدي والعقلي، إذا كانت هذه بعض آثار الإجازات على الموظفين، فإن آثارها أكثر إيجابية على المديرين، فهم يتعرضون خلال مسيرتهم المهنية إلى ضغوطات نفسية تؤثر سلباً على صحتهم الجسدية، وتعيق مرونتهم العقلية المطلوبة للإبداع في العمل.
في الماضي كان من علامات نجاح المديرين واستمرارهم في العمل طوال العام دون أخذ إجازتهم السنوية، رغبة منهم في إثبات وجودهم وتفانيهم في العمل وكي يكونوا قدوة حسنة لمن يعمل معهم، بل إن بعضهم كان يتعمد التواصل مع المسؤولين في أوقات متأخرة من المساء؛ كي يثبت لهم أنه مازال على رأس عمله منهمكاً في أداء متطلبات مهنته. ومن المؤشرات الأخرى على قوة هذا المدير أنه يعلم كل صغيرة وكبيرة وكل شاردة وواردة في إدارته، وأنه رهن الإشارة، فهل يتناسب هذا المنطق مع العصر الذي نعيش فيه؟
المدير الذي لا يأخذ إجازة، إما أنه لا يثق بمن يعمل معه، أو لا يؤمن بمبدأ تفويض الصلاحيات، لأنه يعتقد أنه لا يوجد من هو أصلح منه للقيام بمهام وظيفته، وربما كان الخوف على المنصب هو الدافع لهذه التصرفات، ولكنه يوهم نفسه بأن مصلحة العمل تعلو على حاجاته الخاصة.
ماذا يجري لو تعرض مثل هذا المدير إلى عارض صحي يمنعه من القيام بمهام مهنته؟ إنْ كان الأمر كما ذكرت من قبل، لا توجد صلاحيات محددة للنواب ولا يوجد مبدأ تفويض الصلاحيات ولم يمارس هؤلاء تلك التجربة، فان العمل سيتوقف بلا شك وعندها تفشل المؤسسة في القيام بما أنشئت من أجله.
اقتراحي لجهات الاختصاص يتلخص في إجبار المديرين على أخذ إجازتهم السنوية، وإغلاق قنوات التواصل الهاتفي بينهم وبين مكاتبهم، وتحويل البريد الخاص بهم إلى الرد الآلي الذي يرسل ما معناه المدير في إجازة وعند الحاجة المستعجلة يرجى الكتابة إلى النائب، بهذه الطريقة ستبين لنا التجربة العملية قوة العمل المؤسسي لدينا ومدى نجاحنا في تفويض الصلاحيات، وتمكننا من إعداد الصف الثاني من القيادات الذين من حقهم ممارسة صلاحياتهم دون تدخل المديرين؛ كي يكتمل برنامج إعدادهم كقيادات للمستقبل.
أما المدير نفسه إنْ نفذ هذا الاقتراح، فإنه سيستمتع بإجازته وسيتأكد من نجاحه في تشكيل مؤسسة تدار بأحدث الأساليب الإدارية، وسيعود بعد فترة تأمل بأفكار جديدة يكمل بها مشوار التميز. ومن حق النفس على الإنسان أن تكون له فرصة للتأمل الذاتي في مجريات حياته بعيداً عن زحمة الروتين المهني.. أتمنى لكم جميعاً إجازة سعيدة وعودة حميدة.