الألقاب لها أثرها في الاستقطاب كما نعلم من فنون التسويق. ويخبرني أحد الزملاء أنه كان بحاجة إلى من يعمل بوظيفة سكرتير لمكتبه الرسمي وعجز عن إقناع المواطنين بهذه المهنة، واكتشف بعد فترة أن السبب لم يكن الراتب أو البدلات، لكن بسبب المسمى الوظيفي. فغير صياغة الإعلان إلى مدير مكتب، وتمكن خلال فترة بسيطة من تعيين الشخص المناسب لهذه المهنة.
ربة بيت عبارة ارتبطت في حياتنا باللقب الذي كانت تفتخر به أمهاتنا، لكن بالنسبة لفتيات اليوم، فإن هذا اللقب يحمل لديهن شحنات سلبية. لكن ليس هناك أشرف من مهنة الأمومة على كوكب الأرض. أرجو ألا يفهم من مقالي هذا أني ضد عمل المرأة، فانا أرى أن المرأة العاملة خير من الأخرى الخاملة، بيد أنني متعاطف مع حرية الاختيار لدى النساء، فكما أننا نؤمن للمرأة حق العمل المناسب، ينبغي أن نحترم قرار من ارتأت التفرغ لتربية الذرية الذين يمثلون لبنات المستقبل في المجتمع.
تمر الفتاة بمراحل متعددة في حياتها، فهي بعد تخرجها من الجامعة قد تقرر العمل للإسهام في نهضة المجتمع وتطوره، وتحاول خلال مهنتها أن يكون لها مسار مهني واضح، يحقق لها أهدافها الخاصة، وربما تقرر أنها ليست بحاجة إلى الزواج، وهذا حق مكفول لها، وينبغي علينا احترام رأيها، وعند ذلك يكون المسار المهني المخطط له هدف حياتها وأهم منجزاتها، بيد أنها إنْ تزوجت وجعلت الأسرة أولويتها لا بد عندها من تغيير خططها المهنية، بحيث لا تتعارض المهنة مع متطلبات الأسرة الناجحة، والتي من ثمرتها التربية الفاعلة للذرية، وهذا لا يتحقق مع وظائف تستهلك طاقة الإنسان طوال الأسبوع.
لقد تعرفت بزميلات في العمل يرفضن الترقية إلى مناصب تشغلهن عن أولوياتهن الأسرية. لكن أزمة كورونا أوجدت لنا حلولاً لم تكن في بالنا من قبل، وهي العمل من البيت، فهناك الكثير من المهن التي لا تتطلب في حقيقة الأمر الذهاب إلى مقر العمل.
ومن الأمثلة السريعة على ذلك مهنة الترجمة المكتوبة والتحرير الصحفي، والهندسة بفروعها المختلفة مثل هندسة التصميم، بل حتى مهنة الطب وجد لها فروع بإمكان الطبيبة القيام بها، وهي في بيتها مثل الاستشارات الطبية عن بُعد، هذه الممارسات تعرفنا عليها مع كورونا، إلا أنها قديمة في الدول المتقدمة. اخبرني أحد الزملاء أنه وبعد أن أنهى الفحوص الطبية في المستشفى في إحدى الدول الأوروبية طلب من الطبيب أن يدله على مكتب الموظفة، التي رتبت له جدول الفحوص الطبية ليشكرها، فقال له الطبيب مبتسماً إنه يعمل في هذا المستشفى منذ 3 سنوات، ولم ير تلك الإنسانة الجادة في عملها، لانها تعمل من البيت! ملخص ما أريد الوصول له في هذا المقال أن نعطي المرأة حرية الاختيار بين الوظائف، فقد ترغب في الدوام في مقر العمل، أو أن تعمل من البيت، أو أن تزاوج بين الفكرتين، ونحترم قرارها إنْ قررت أن تتفرغ لتربية أولادها ونشجعها على ذلك بصرف راتب محدد لها، وتتغير بدلاته بعدد الأولاد كما اقترح أن يكون لقبها في سيرتها الذاتية المديرة التنفيذية للأسرة.
* أكاديمي إماراتي