في الأيام القليلة الماضية، تخلت إسرائيل عن إحدى محرماتها حين انضم حزب عربي لائتلاف حاكم لأول مرة في تاريخ الدولة العبرية. فقد كان انضمام حزب «القائمة العربية الموحدة» الإسلامي الصغير هو الجزء الأخير لحل أحجية الإطاحة برئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو بعد 12 عاماً قضاها في السلطة. لكنها تمثل مقامرة سياسية هائلة. وقد يتغير شكل إسرائيل، إذا حقق هذا الانضمام هدف تعزيز مكانة الأقلية العربية التي تم تهميشها تاريخياً، والتي تخلفت عن الغالبية اليهودية في كل شيء، من التعليم والبنية التحتية إلى مستويات الدخل. وإذا فشلت هذه المحاولة، بعد دعم غالبية ناخبي عرب إسرائيل الحصول على مقعد في طاولة صنع القرار، فقد يدمر هذا ثقتهم في السياسة الإسرائيلية.
وسأل سامي سموحة، أستاذ علم الاجتماع الفخري في جامعة حيفا والخبير في العلاقات العربية اليهودية «هل هذا يغير قواعد اللعبة؟ هذا هو أهم سؤال وليس من السهل الإجابة عنه؛ لأن الاختبار سيكون في المستقبل. لكن كما نعرف السياسة العربية واليهودية في إسرائيل حتى الآن، يمثل هذا تغيراً مهماً للغاية». وأشار سموحة إلى أنه منذ عام 1948، لم تشارك الأحزاب العربية إلا في المعارضة، لأنها لم تكن تريد الانضمام إلى الحكومات، بالإضافة إلى الإقصاء الإسرائيلي للعرب. وأضاف «الآن لدينا حزب سياسي عربي يتطلع إلى أن يكون جزءاً من الحكومة، ويلعب لعبة السياسة الإسرائيلية، وهو شيء لم نشهده من قبل قط».
ويمكن النظر إلى تركة نتنياهو السياسية عبر عدسة علاقته بالمواطنين العرب. فقد أنفق رئيس الوزراء السابق سنوات، وهو يصفهم بالشر وبأنهم يمثلون تهديداً للبلاد، وخاصة أثناء الحملات الانتخابية. لكن هذا العام وبعد رابع انتخابات إسرائيلية في عامين، وبعد أن أصبح بقاء نتنياهو السياسي على المحك، ركز الزعيم الإسرائيلي على خطب ود حزب «القائمة العربية المشتركة» المحافظ اجتماعياً. والسخرية في الأمر هو أن هذا مهد الطريق لليمينيين في ائتلاف «التغيير» كي يصطفوا ضد نتنياهو لقبول أربعة من أعضاء حزب «القائمة العربية» في الكنيست شركاء، مما خلق هذه الانفراجة.
لكنّ كثيرين من المواطنين العرب في إسرائيل قلقون من قرار المشاركة في حكومة يقودها حليف سابق لنتنياهو، «نفتالي بينيت». و«بينت» يقود حزب يميني وكان يتزعم ذات يوم حركة الاستيطان اليهودية. ويخشون أن يتخلى حزب «القائمة» الذي ركز في اتفاق الائتلاف على وعود اجتماعية واقتصادية عن الكفاح الأوسع من أجل المساواة والحقوق الفلسطينية. إنها مراهنة عالية المخاطر من زعيم الحزب «منصور عباس»، وهو طبيب أسنان تحول إلى سياسي. ونشأ «عباس» في مدينة الجليل التي يتعايش فيها المسيحيون والمسلمون والدروز. ويتعين عليه أن ينفذ وعده بتحسين أحوال المواطنين العرب، وأن ينفي عن نفسه كونه مجرد «ورقة التوت» التي تستر عورة عدم المساواة داخل الحكومة الجديدة.
والتحدي أكبر في غمرة انعدام الثقة والخوف المتبادل بين العرب واليهود، بعد أعمال عنف غير مسبوقة انهكت الطرفين في مايو الماضي حين اندلعت التوترات بشأن القدس، ومع انتقال حرب إسرائيل مع «حماس» في غزة إلى شوارع المدن المختلطة السكان بين العرب واليهود.
وصوتت «القائمة المشتركة»- وهو حزب سياسي عربي انشق منه حزب «القائمة العربية الموحدة» هذا العام- ضد الحكومة الجديدة التي تمت الموافقة عليها بصوت واحد. وكان هذا توبيخاً مقصوداً لحزب «القائمة العربية» الذي يرون أنه يمثل خيانة للجمهور العربي الأوسع؛ لأنه لم يجعل قضايا العدل الاجتماعي والمساواة وحقوق الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة شرطاً للانضمام إلى الائتلاف. ويرى يوسف جبارين، أستاذ القانون والعضو السابق في الكنيست من «القائمة المشتركة»، التي تشكل تحالفاً من 3 أحزاب برئاسة أيمن عودة، أن الانضمام إلى الحكومة ما كان يتعين أن يكون هدفاً في حد ذاته إذا كان الأمر يعني تحمل مسؤولية البرنامج السياسي لهذه الحكومة. وعبر عن خشيته من أن يصبح حزب «القائمة العربية» غطاء لتوسيع الحكومة احتلالها ومستوطناتها ومواصلة سياساتها التمييزية. ويرى أنه في حالة تصاعد توترات أمنية، سواء كان ذلك بنشوب حرب مع غزة أو اقتحام آخر للمسجد الأقصى في القدس أو وقوع «هجمات وحشية على المحتجين العرب، سيرفع الشباب العربي صوته بالاحتجاج ضد الحكومة، وتحديداً ضد حزب «القائمة العربية الموحدة» لإضفائه مشروعية على تحركات الحكومة».
ويرى «إريك رودنتزكي»، الباحث في برنامج العلاقات العربية اليهودية في «المعهد الإسرائيلي للديمقراطية»، أن هناك خطراً كبيراً على كل الأحزاب المشاركة في هذا الائتلاف الاستثنائي، فالجميع لديهم الكثير مما قد يخسرونه، و«هذا قد يجعلهم يتماسكون سوياً حتى يحافظوا على هذا الائتلاف، على الأقل لمدة عامين، إن لم يكن لفترة ولاية كاملة». وأشار «رودنتزكي» إلى أن الخلاف في النهج بين «القائمة العربية» و«القائمة المشتركة» يتمثل في البراجماتية في مقابل الأيديولوجية وهو جدل مستمر وسط الجمهور المتنوع من الناخبين العرب.
وغياب التركيز على قضايا فلسطينية قومية هو ما يجعل الحزب مقبولاً من الغالبية اليهودية ككل، بحسب قول الدكتور سموحة، من جامعة حيفا. وأحد المجالات التي يتعين على حزب «القائمة العربية» تحقيق وعوده فيها هو اعتراف الحكومة ببعض القرى البدوية في صحراء النقب، وهي تجمعات سكانية عشوائية بغير خدمات أساسية مثل الكهرباء أو الماء. والدعم الأساسي للحزب مستمد من جماعات البدو. والأهداف الأخرى تتمثل في تعزيز الميزانية بشكل كبير لمعالجة عقود من الإهمال المنهجي للبلدات والمدارس والبنية التحتية للعرب وإلغاء قانون يعاقب المواطنين العرب بشكل غير متناسب لإقامة منازل دون تصاريح.
* صحفية أميركية متخصصة في شؤون الشرق الأوسط
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»