كيف يمكن لسياسي همه أن يرضي طائفته التي صوتت له أن يبني وطناً؟ وكيف يمكن له أن يسهم في نهضة بلده وهو غارق في فساد سياسي واقتصادي؟ رئيس وزراء لبنان المستقيل حسان دياب قال حرفياً إن منظومة الفساد في لبنان أكبر من الدولة، وهذا يلخص الوضع في لبنان الذي يتجه -على ما يبدو- نحو الكارثة. فالبنك الدولي يؤكد أنه لا توجد نهاية تلوح في الأفق للأزمة الاقتصادية، وقد تكون أسوأ الانهيارات المالية التي حدثت في العالم منذ 200 سنة، ويضيف أن الفصائل السياسية في لبنان تظهِر عدم اكتراث وسط غياب سلطة تنفيذية، فيما تشير دلائل إلى أن نصف سكان لبنان تحت خط الفقر.
والمفارقة أن الخطاب السياسي اللبناني في ظل التحذيرات الكارثية لا يزال تحت السقف المطلوب، وخاضعاً لمهاترات من دون طائل، فلا حلول واقعية للأزمة اللبنانية، فيما المشاهد القادمة من هذا البلد مخيفة لأشخاص يتصارعون على علب حليب الأطفال أو على الخبز أو مواد استهلاكية أساسية أخرى، حتى إن بعض الصحف تشير إلى أن نسبة الجرائم وصلت لجريمة كل ساعة بسبب التدهور الاقتصادي، والبلد مهدد بالغرق في الظلام الدامس وانقطاع دائم للكهرباء، وتبعات ذلك ستكون كارثية. أما الانهيار الخطير الذي تم التحذير منه مؤخراً فهو انهيار الجيش اللبناني تحت وطأة الأزمة لاقتصادية وشح الموارد، حيث أكد البنك الدولي أهمية دعم الجيش تجنباً لسقوط لبنان في الفوضى بسبب تبعات الأزمة.
المفارقة أن المتنفذين والأغنياء خاصة من الطبقة السياسية الذي كسبوا الملايين كنتيجة للفساد والمحسوبيات وآلية المحاصصة، والذين يظنون أنفسهم بمعزل عما يحصل في البلاد، سيتضررون أيضاً، فالأزمة ستطال الجميع ولن تفرِّق بين أحد وآخر، خاصة مع مخاوف من حراك الشارع اللبناني وتظاهرات تعم كافة المدن، وربما فوضى مصدرها الفقر والجوع الذي سيحل بالبلاد قريباً. ولكل ذلك يجب على الطبقة السياسية التحرك بشكل عاجل وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تضم تكنوقراطاً غير خاضعين للأحزاب السياسية، وقادرين على إيجاد حلول سريعة. فمشكلة لبنان الأساسية هي تلك الطائفية والمحاصصة البغيضة المتجذرة في عقل الشارع اللبناني، فعندما يتم اختيار أي سياسي يكون الهاجس الطائفي هو الأساس، حيث أن تلك الأحزاب الطائفية مسيطرة على عقول الناس، علماً بأن الساسة الطائفيين لم ولن يخدموا سوى أنفسهم بعد أن رموا الفتات لمؤيديهم، فهمهم تضخيم ثرواتهم في البنوك.. لذلك فعلى لبنان البحث عن نظام سياسي مختلف ينهي نظام المحاصصة الطائفية.
بناء الأوطان يحتاج لقادة وساسة مخلصين لوطنهم يضعون مصلحة البلد والوطن فوق كل المصالح، يعملون للجميع وليس لطائفة أو جماعة. فبناء الوطن لا يمكن أن يتم في ظل الفساد الذي يستنزف لبنان تماماً، ومن دون التخلص من الفساد والفاسدين ستستمر تلك المعادلة التي ستقود لبنان للخراب والانهيار المحتوم. ولن يستفيد من ذلك الانهيار إلا الجماعات المحسوبة على الخارج، والتي من مصلحتها الفوضى التامة مثل جماعة «حزب الله»، والتي تدين بالولاء لنظام المرشد وليس للوطن. ومن المتوقع أن تزيد قبضة الحزب على لبنان في ظل الانهيارات التدريجية وضعف مؤسسات الدولة خاصة الجيش اللبناني، وهي فرصة إيرانية لجعل «حزب الله» الآمر الناهي ولتعزيز الهلال الفارسي المنطلق من إيران مروراً بالعراق وسوريا ولبنان، حيث من المعلوم حجم سيطرة المليشيات التابعة لطهران والمدججة بالسلاح في العراق، وتدخلاتهم عبر فصائلها في سوريا، ونهايةً بلبنان و«حزب الله». ودائماً إذا أردتَ البحث عن أيادي إيران وأذرعها فابحث عن الدول المتأزمة، حيث ستراها هناك منهمكة في تعزيز نفوذها وتوسيع خراب تلك الدول لضمان تمددها.
*كاتب إماراتي