في مذكراتها الصادرة عام 2019 بعنوان «ثقافة شخص مثالي»، وصفت «سامانتا باور»، التي هاجرت من أيرلندا وهي طفلة إلى الولايات المتحدة، الطريقة التي عرفت بها أنها أصبحت أميركية. وكتبت تقول: «كنت أفكر كأميركية، باستجابتي لمشكلات في العالم، مثل حرب البوسنة، بأن اسأل نفسي: ما الذي يمكننا نحن، أي أميركا، القيام به حيال هذا؟».
ألهم هذا السؤال مشوار «باور» الملحمي الذي امتد من عملها كمراسلة عسكرية إلى السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، إلى أن أصبحت الآن مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. لقد كان سؤال «باور»، هو الذي شغل النخب الليبرالية في تسعينيات القرن الماضي. ففي هذه الفترة، اُعتبر تقاعس أميركا عن محاولة وقف التطهير العرقي في راوندا كارثة أخلاقية، والشعور بالخزي من هذا، هو ما دفع الرئيس بيل كلينتون للتدخل في نهاية المطاف في كوسوفو.
ومع صدور كتابها الفائز بجائزة بوليتزر لعام 2002 بعنوان «مشكلة من الجحيم: أميركا في عصر التطهير العرقي»، أصبحت «باور» مثالاً يجسد نهج التدخل الليبرالي؛ أي الإيمان بمسؤولية أميركا في منع الأعمال الوحشية في الخارج. وحتى بعد إساءة استخدام عقيدة التدخل الليبرالي في الترويج لحرب العراق التي عارضتها «باور»، فإنها ظلت تؤمن بالإمكانيات الإنسانية التي يمكن أن تحققها سياسة أميركية خارجية قوية.
ولطالما هيمن مثل هذا الإيمان على كلا الحزبين، لكن في السنوات القليلة الماضية تقلص هذا الإيمان. فالعقيدة الشائعة الآن هي أن تدخل أميركا في ليبيا عام 2011، الذي أيدته «باور، كان كارثة استراتيجية. والحزب الجمهوري سقط إلى حد كبير في أسر الانصياع للنهج الانعزالي الذي يؤمن به دونالد ترامب. وجانب كبير من اليسار لا يشك في استعمارية أميركا البغيضة. كما أنه من الطبيعي أن تستحوذ الأزمات الداخلية على اهتمام الناخبين.
لكن الرئيس جو بايدن من المؤمنين باستعادة دور أميركا القيادي الدولي، وإن يكن بغير استعراض القوة العسكرية دوما. وحين اختار الرئيس الأميركي «باور» على رأس الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، فإنه بذلك نقل رسالة إلى العالم مفادها أن المساعدات الإنسانية ستكون محورية في سياسته الخارجية. وارتقى بايدن بمنصب رئيس الوكالة إلى مجلس الأمن القومي، ولذا ستصبح باور أكثر رؤساء الوكالة نفوذاً.
وكانت باور، حين تحدثت إليها في واشنطن هذا الشهر، أكثر اهتماماً بالعمل وتنفيذه في أرض الواقع وليس الكلام عن القيم الأميركية. وتعتقد «باور» أن ترامب جعل أميركا قاسية، وفي وقت يفقد فيه الناس حول العالم الإيمان بالديمقراطية، يتعين على أميركا أن تثبت أنها ليست مستعدة فقط، بل لديها أيضاً الكفاءة والقدرة لتساعد الدول الأخرى. ومعروف عن «باور» أنها داعية أفكار، لكن الكارثة المؤلمة لسنوات ترامب حولتها إلى تكنوقراط.
وأكبر اختبار يتمثل فيما ستقوم به أميركا لمساعدة باقي العالم في الحصول على لقاحات ضد كوفيد-19. وقالت «باور»: «هذا هو المجال الذي يمكن فيه إظهار نتائج ملموسة على الأرض. الأمر لا يتعلق بقول إن الديمقراطية أفضل، ولا بالكلام عن قائمة الأولويات، بل عن قائمة أولويات ملموسة النتائج للغاية، في وقت يشعر فيه الناس بغياب القيادة والقوة المحفزة، وغياب الإيمان بأننا مرتبطو المصائر».
وفي الأيام القليلة الماضية، أعلن بايدن أن أميركا ستتبرع بنصف مليار جرعة لقاح للدول منخفضة ومتوسطة الدخول عبر مبادرة كوفاكس الدولية لمشاركة اللقاحات التي رفض ترامب الانضمام إليها. وهذا أكبر تبرع باللقاحات من دولة وحيدة حتى الآن، مما يحث الدول الأخرى على تعزيز تبرعاتها.
وصحيح أن كوفيد هو أكثر أزمات الكوكب إلحاحاً، لكنه ليس الأزمة الوحيدة. فقد تحدثت «باور» أثناء جلسة تأكيد تعيينها في المنصب عن أربعة تحديات هائلة ومتصلة ببعضها البعض تواجه العالم في الوقت الحالي. فإلى جانب كوفيد- 19، هناك أزمة تغير المناخ، وصراع وانهيار الدول، والتراجع الديمقراطي.
ويتعين على «باور» الكفاح كي تصلح الضرر الذي ألحقه ترامب بأميركا في العالم وأيضاً الضرر الذي ألحقه بالوكالة التي تترأسها. فقد استطاع مارك جرين، أول مدير للوكالة في عهد ترامب، حماية الوكالة من الأضرار التي أحاطب بها، لكن بعد استقالته العام الماضي، بدأت الأمور تتدهور. فقد عينت إدارة ترامب، جون بارسا، الموالي لها الذي عين موظفين من اليمين المتطرف للعمل تحت إمرته، مثل «مارك كيفين لويد»، الذي له سجل في نشر تغريدات معادية بشدة للإسلام على «فيسبوك». وعين أيضاً «ميرت كوريجان» التي تستنكر الديمقراطية الليبرالية.
وذكر «دون ستاينبيرج»، وهو نائب مدير سابق للوكالة أثناء إدارة أوباما أنه «ابتهج» حين أُعلن تعيين «باور» في المنصب. لكن ستاينبيرج تساءل عن مدى إمكانية تجديد دور الوكالة في ظل تحديات الصراع وتغير المناخ وكوفيد وبعد أربع سنوات من توقف التقدم في عهد أوباما. صحيح أن الطموحات القومية الكبيرة محفوفة بالمخاطر، لكن الافتقار إلى هذه الطموحات محفوف بالمخاطر أيضاً في عالم منهار مثل عالمنا.
صحفية أميركية
نيويورك تايمز
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2021/06/14/opinion/samantha-power.html