يحمل طريق 275 في الولايات المتحدة كل علامات الانقسام. فهو طريق سريع مقسم إلى أربع حارات يمتد شرق نورفولك ونبراسكا، لمسافة 12 ميلا إلى أن يضيق، لسبب غير مفهوم، إلى طريق من حارتين ويشكل منحنى طويلا جنوباً إلى سكريبنر، حيث ينقسم إلى أربعة حارات مرة أخرى وصولا إلى أوماها.
هذا الامتداد البالغ 45 ميلا من الممر الريفي غير الممهد يثير غضب «جوش موينينج»، عمدة نورفولك التي يبلغ عدد سكانها 24,000 نسمة. ومع وجود مصنع للصلب في المدينة وعمليات لتغذية الماشية الرئيسية في المنطقة، تشهد نورفولك الكثير من حركة مرور الشاحنات، لكن ليس لديها أربعة حارات للوصول إلى طريق سريع يربط بالولايات أو بمدينة رئيسية. يقول موينينج: «إنه يعرض الأرواح للخطر. كما أنه يحد من قدرة مجتمعنا على النمو».
أما ديترويت فلديها مشكلة معاكسة، إذ يتطلع المسؤولون الحكوميون والمحليون إلى إلغاء طريق (I-375) بين الولايات غير المستغل بالكامل واستبداله بشارع به مساحات خضراء ومسارات للدراجات.. إذ من شأن ذلك أن يساعد في تنشيط الأحياء الأميركية الأفريقية إلى حد كبير، بعد أن دمّرها هذا الطريق قبل حوالي 60 عاماً.
تحظى الطرق والجسور والسدود والسكك الحديدية الأميركية وما إلى ذلك باهتمام جديد، بينما تتجادل واشنطن حول كيفية الحفاظ على المرافق الحيوية وتطويرها، حيث ركزت المفاوضات بين إدارة بايدن و«الجمهوريين» في مجلس الشيوخ على المبلغ الذي يجب إنفاقه. ويكمن أساس هذا النقاش في مسألة القيم: كيف يجب أن تبدو أميركا بعد 50 عاماً من تثبيت الخرسانة والصلب والكابلات الكهربائية وألياف الإنترنت. هل يجب إعطاء الأولوية للنمو الاقتصادي أم للبيئة أم لتكافؤ الفرص بين المجموعات العرقية والإثنية وبين سكان الريف وسكان الحضر؟
تختلف الاحتياجات حسب الموقع، حيث ستلعب الولايات والمحليات التي تمتلك 90% من البنية التحتية للدولة وتمول 75% من صيانتها وتحديثها، دوراً كبيراً في تحديد مكان وكيفية إنفاق الأموال. يبدو مستقبل النقل ضبابياً بشكل خاص في الوقت الحالي حيث يبدو أن الولايات المتحدة مستعدة لتحقيق العديد من القفزات التكنولوجية والاجتماعية والاقتصادية: من القيادة الذاتية وكهربة السيارات إلى صعود خدمات التوصيل وترتيبات العمل في المنزل بعد الوباء.
يقول «بيل إيزيل»، رئيس «معهد تكساس إيه & إم للنقل»: «لكل شخص رؤية مختلفة لما يبدو عليه النقل. والأمر الوحيد الأساسي هو أن نظام النقل لدينا هو حجر الأساس لاقتصادنا. علينا أن نجعل الناس يستخدمون خدمات النقل لدينا. وعلينا إيصال السلع والخدمات لهؤلاء الأشخاص».
ما يمكن للحكومة الفيدرالية أن تفعله مع زيادة الإنفاق هو توجيه تلك القرارات في اتجاه معين. في مارس الماضي أصدرت إدارة بايدن خطةَ الوظائف الأميركية، وهي خطة لمدة ثماني سنوات بقيمة تريليوني دولار ليس فقط لإصلاح الطرق والموانئ والممرات المائية الداخلية، ولكن أيضاً لمكافحة الاحتباس الحراري، وتحديث مرافق رعاية الأطفال، وزيادة المزايا للعاملين في مجال الرعاية الصحية المنزلية، وتعزيز التصنيع وسلاسل التوريد الآمنة.. وهي مجالات عادة ما تكون خارج نطاق البنية التحتية، ويصفها النقاد بأنها قائمة رغبات حكومية كبيرة باهظة الثمن.
يقول «كيفين ديجود»، مدير سياسة البنية التحتية في مركز التقدم الأميركي بواشنطن: «لم يكن لدينا مطلقاً مشروع قانون للبنية التحتية بهذا الحجم ويتضمن العديد من القطاعات. إن خطة بايدن للوظائف الأميركية هي رؤية عليا للغاية لمحاولة إعادة توجيه هذه المجموعة الواسعة من النفقات الفيدرالية نحو معالجة تغير المناخ والإنصاف والازدهار الشامل. لكن من المهم ترجمة ذلك في الواقع إلى تشريعات».
يتفق الجميع على وجود مشكلة؛ فبعد حقبة بناء المطارات الكبيرة بين الولايات في النصف الأخير من القرن العشرين، فإن الحاجة الماسة اليوم هي الصيانة. وتشير الوكالات الفيدرالية إلى أن أكثر من نصف المدارس العامة بحاجة إلى الإصلاح أو التجديد أو التحديث، وأن ما يقرب من 1 من كل 5 طرق في البلاد في حالة سيئة. وتشير الجمعية الأميركية للمهندسين المدنيين إلى أن تكلفة الأعمال المتراكمة للصيانة تبلغ حوالي تريليون دولار.
إن خلق الحماس السياسي حول صيانة البنية التحتية ليس بالأمر السهل، وهو ما قد يفسر بعض الأسباب المنطقية للبيت الأبيض لتقديم خطته لتعزيز الوظائف والمبادرات الخضراء والمساواة العرقية.
لأسابيع، حاول الرئيس بايدن ومجموعة من «الجمهوريين» في مجلس الشيوخ إيجاد حل وسط يتفق عليه الحزبان. وعلى سبيل المثال، دعم الجانبان بسرعة فكرة تمويل النطاق العريض للإنترنت عالي السرعة لصالح الأحياء الحضرية المحرومة والمجتمعات الريفية النائية. لكن الرئيس أنهى تلك المحادثات لأنه في بعض القضايا، لاسيما الضرائب لتمويل البرنامج، كانت آراء الجانبين متباعدة للغاية.
والآن تعمل مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين على صياغة اقتراحها الخاص، بينما يفكر «الديمقراطيون» داخل الكونجرس أيضاً في الجهود المبذولة لتمرير مشروع قانون من دون تصويت «الجمهوريين».
قد يكون من الصعب تمرير مشاريع قوانين الإنفاق الكبيرة في مجلس الشيوخ، لكن ما لا يمكن للمال أن ينجزه، ربما يستطيع الابتكار تحقيقه.
ومن ناحية التمويل، على سبيل المثال، يتطلب التغيير في عقود «التصميم -البناء -التشغيل -الصيانة» أن تأخذ الدولة أو الحكومة المحلية تكاليف الصيانة في الاعتبار عند إبرام العقود، لأن الشركة المنفِّذة للمشروع ستضطر أيضاً إلى صيانته.
*كاتب متخصص في الشؤون الاقتصادية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»