قبل أن نستوعب تحديات حوسبة التعليم وإدخال التطبيقات الحاسوبية في التعليم، وإكساب الطلاب بل وجميع المواطنين المهارات والمعارف الحاسوبية الضرورية للعمل والتعليم والحياة اليومية، نواجه تحدياً أكبر وأعقد، وهو إدخال الذكاء الاصطناعي في المهارات المعرفية والتعليمية للتلاميذ، لأن الحوسبة سوف تكون قاصرة إذا لم تدمج بتطبيقات الذكاء الاصطناعي ومهاراتها. فالحوسبة ليست في واقع الحال سوى مرحلة تأسيسية ليكون في مقدور الإنسان التكيف والاستجابة لمرحلة يمكن وصفها ببساطة في عبارة مفادها: ما يمكن أن يؤديه الحاسوب لن يظل عملاً بشرياً، ولكن الحاسوب والبرامج والتقنيات المحوسبة تتقدم بسرعة مذهلة لتحل محل الإنسان في مجالات تحتاج إلى مهارات فكرية وإدراكية، وفي الوقت نفسه فإن أعمالاً ومهارات ووظائف جديدة تنشأ يجب تعلمهما بسرعة وإدخالها في حقول التعليم والتأهيل والعمل. وهكذا فإن الحاسوب لم يعد فقط جهازاً يساعد الإنسان في عمله، ولكنه شريك أساسي، ويغير في كل يوم مهارات ومجالات عمل الإنسان، ثم إن هذه المهارات الإنسانية الجديدة تتحول إلى تطبيقات وبرامج حاسوبية، وهكذا فإن الحاسوب يطور الإنسان كما يطور الإنسان الحاسوب، وفي هذا التغير السريع والممتد والعميق في العمل والعلاقة بين الإنسان والحاسوب يفترض أن تتغير المناهج التعليمية والتدريبية.
وحتى نظل ملتزمين في هذه المساحة من الكتابة الصحفية بدور وحدود المثقف العام، يجب القول إن المهارات العامة والفلسفية للتعليم والتأهيل يجب أن تستوعب التعلم والعمل من خلال البرامج والتطبيقات الحاسوبية، والتعامل مع المنصات والتطبيقات الذكية، مثل المنصات التعليمية والمتخصصة ويوتيوب وغوغل وأمازون وشبكات التواصل الاجتماعي وخدمات التوصيل والنقل والبنوك وتحديد المواقع والألعاب الذكية.. والتعلم الذاتي والمستمر، والتعلم والتعليم من خلال الشبكة، وأداء البحوث والواجبات التدريبية والتدريب على المهارات والمواهب مثل الرسم والموسيقى والتمثيل والأفلام والتصوير والتصميم والإخراج، وممارسة الأعمال والاحتياجات اليومية والعملية، مثل التسوق والتوصيل والانتقال والتواصل، والحصول على خدمات معرفية مثل المعلومات والمصادر المعرفية والاستشارات المعرفية والصحية، والقدرة على تنظيم العمل والحوار من خلال مجموعات شبكية منتشرة في كل مكان، والمشاركة في تعليم الحاسوب وتطوير البرامج والتطبيقات ليكون في مقدروها (كما الإنسان) الترجيح بين الخيارات دون حسم أو ثقة بالصواب، والتعامل مع البيانات المتناقضة، ومحاكاة العمليات المعرفية التي يؤديها الإنسان، وتطوير قدرات الحاسوب والبرامج في التطبيقات اليومية مثل البحث والترجمة والتدقيق اللغوي واللعب وحل الألغاز واكتشاف الأخطاء وإدراك المخاطر وتجنبها، والتعرف على أوجه الشبه بين المواقف المختلفة، والتكيف مع المواقف المستجدة، واكتشاف الأخطاء، والتشخيص الطبي، والاستدلال على الأمكنة والطرق، والتعامل مع البيانات غير المكتملة والمتضاربة.
وهناك أيضاً مهارات مستجدة يجب أن يتعلمها الطلاب، كما جميع الناس، مثل إدارة وتحليل البيانات الضخمة، والأجهزة والتقنيات ذاتية العمل مثل السيارات والقطارات وأنظمة التحكم والمراقبة والإنذار المبكر والتفاعل مع الإنسان، وخدمات الترفيه ومجالسة الأطفال والمرضى وكبار السن، والطائرات المسيرة، والطابعات ثلاثية الأبعاد، والتفاعل بين المعلمين والطلاب والأسر والمرشدين.
وباختصار، فلا خيار أمامنا لتجنب الانحسار والعزلة أو لأجل أن نكون منتجين وقادرين على الاعتماد على أنفسنا والمشاركة مع العالم سوى تعليم متقدم ومعقد يضع في حسبانه قدرة التلاميذ، إن لم يكن جميع الناس أو معظمهم، على استيعاب التحولات العلمية والتكنولوجية الجارية في عالم اليوم. فالمرحلة القادمة (إن لم تكن الحاضرة) لم يعد فيها مكان للضعفاء ولا عذر للجاهلين.
*كاتب أردني