لا يخفى على أحد حجم تداعيات جائحة «كورونا» على مختلف الأنشطة الاقتصادية عالميّاً، ولا سيما قطاع الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي تكبدت خسائر مادية تطلبت الكثير من الخُطط العلاجية الطارئة للتخفيف من حدّتها، وإنقاذ بعض القطاعات الأكثر تأثراً من حافة الإفلاس، والحفاظ على وظائف آلاف الكوادر، وإبعادها عن شبح البطالة بشكل يضمن تماسك المجتمع ورفاهية أفراده.
ولعل الأرقام والبيانات الإحصائية خير دليل على مدى تأثر الاقتصاد العالمي جرّاء تفشي الجائحة. ففي الولايات المتحدة الأميركية، مثلاً، فَقَدَ أكثر من 22 مليون شخص وظائفهم بين شهري يناير وإبريل 2020، وارتفعت نسب البطالة إلى أرقام غير مسبوقة، تجاوزت في بعض البلدان عتبة الـ15 في المئة، كما هي الحال بالنسبة لإسبانيا واليونان، وهي الأعلى منذ الركود الاقتصادي لعام 1948، الذي صاحب فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وفي خضم ما مرّ به الاقتصاد العالمي من تذبذب وتقلّب عصف ببعض القطاعات، مثل السياحة والأنشطة الترفيهية، في بعض البلدان التي شهدت إغلاقاً تراوح بين الكامل والجزئي، كانت القيادة الرشيدة لدولة الإمارات العربية المتحدة سبّاقة إلى طرح مبادرات طموحة تهدف إلى تخفيف العبء عن كاهل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، على غرار مبادرة «غداً 21» التي رُصِدَت لها ميزانية قدرها 50 مليار درهم، لمواجهة التحديات الاقتصادية في إمارة أبوظبي، من خلال تسريع وتيرة تنفيذ حزمة حوافز اقتصادية للمؤسسات والأفراد الأكثر تضرراً.
وفي إطار تضافر جهود الدوائر الحكومية المعنية بتعزيز مكانة أبوظبي الاقتصادية، أطلق صندوق خليفة لتطوير المشاريع، أخيراً، منصة أبوظبي للأعمال لخلق بيئة إيجابية أمام الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة التي توفر فرص عمل بواقع 86 في المئة من إجمالي القوى العاملة في القطاع الخاص، لتُضاف بذلك إلى رصيد مهم من المبادرات المبتكرة، وعلى رأسها منصة «هب 21»، التي تسعى إلى توعية وتثقيف رواد الأعمال بشأن أهمية الابتكار وإدارة خيارات التمويل وتطوير الإنتاج والتسويق، وتوسيع نطاق النشاط الاقتصادي بشكل يُسهّل عليها تجاوز أصعب المشكلات وأكثر العراقيل تعقيداً.
المبادرات الحكومية التي أطلقتها دولة الإمارات لتحفيز الاقتصاد وتسريع تعافي القطاعات المُتضررة، في بداية وخلال تفشي جائحة «كورونا»، تعكس مدى الحرص على بذل قصارى الجهود للدفع بعجلة التنمية نحو الأمام حتى في أصعب الظروف، ووضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار من خلال تحويل الأزمات إلى فرص ومكاسب واعدة، في وقت شهد فيه اقتصاد العالم انكماشاً حادًاً، وتراجع فيه حجم التجارة الدولية إلى مستويات لم تكن في حسبان أكثر الدراسات والتوقعات الاقتصادية تشاؤماً.