الجولة القادمة من الانتخابات الرئاسية الإيرانية تأتي في ظرف مفصلي من عمر النظام الثوري في الجمهورية الإسلامية الإيرانية اجتماعياً واقتصادياً، فالهوة بين القواعد الانتخابية والنظام هي الأكبر، والحراك المدني الذي لم يتوقف منذ ديسمبر 2018 هو أكبر الأدلة على ذلك الواقع. أما قرار المرشد خامينئي اقتصار التنافس بين قائمته المنتقاة، فذلك يحمل أكثر من رسالة، وانتخابات 2009 تشهد على معالجات المرشد لنتائج صناديق الانتخابات بعد خسارة نجاد حينها.
من المنظور السياسي للمرشد، فإن حقبة مهادنة صنيعته أو ما بات يعرف بالتيار الإصلاحي داخل النظام الثوري، هي مرحلة غير قابلة للاحتمال «سياسياً» أو الاستدامة شريكاً، خصوصاً بعد تسرب أو تسريب اللقاء الإذاعي المسجل مع وزير الخارجية الإيراني ظريف. فالجمهورية في خضم مفاوضات حرجة مع مجموعة 5+1 حول برامجها الاستراتيجية، والحال كذلك من قبول شخصيات ذات طموح سياسي منافس لدور ومكانة المرشد مثل الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.
حقق انطلاق المفاوضات المطلب الرئيس للنظام الثوري، أي إعادة تأهيله إيرانياً ودولياً، لذلك سارع خامينئي إلى إقصاء جميع مرشحي من يسمى بالتيار «الإصلاحي» رغم مطالبة روحاني بإعادة النظر في القرار. وما يجمع بين قائمة المرشد السبعة، هو الولاء المُطلق للمرشد وعلى رأسهم الجزار إبراهيم رئيسي، وهو الذي كان ضمن أربعة قضاة ممن أصدروا مجتمعين أحكام إعدام تجاوزت الثلاثين ألفاً في حق معارضين عام 1988. أما القاسم المشترك بين باقي القائمة من المرشحين، فهو تاريخ حافل في خدمة النظام الثوري والمرشد قبل تسنمهم مناصبهم الحالية.
التحديات التي يواجهها النظام الثوري داخلياً هي أكبر من مثيلاتها الخارجية، فحلفاؤها الاستراتيجيون (روسيا والصين) قادرون على توفير ضمانات تمكينه سياسياً واقتصادياً، انطلاقاً من مبدأ التكافل الاستراتيجي. إلا أن المعضلة الأكبر تكمن في قدرة النظام على التكييف مع عزلته الداخلية اجتماعياً، وفشله اقتصادياً، مما حتم انطفاء الجذوة في جيل ما بعد الثورة.
ويعزز ذلك حجم الانكشاف الأمني لبرامج إيران النووية والعسكرية، والذي يمثل أحد أكبر التحديات لكبرياء النظام إقليمياً ودولياً، لذلك يعمد للتصعيد عبر وكلائها في العراق واليمن، ذلك بالإضافة للاستمرار في تهديد أمن الملاحة الدولية من هرمز إلى البحر الأحمر. إلا أن ذلك غير قابل للاستدامة، خصوصاً في العراق مع تنامي الحراك المدني، وفي حال نجح الحراك في تحجيم الدور الإيراني في العراق، فإن طهران ستخسر أهم عمق استراتيجي لها. وستجد نفسها في حالة دفاع حرج عن عمقها السياسي على حدودها الغربية، وداخل حدودها في حال تصاعد الحراك السياسي بأشكال أخرى في الأحواز وبلوشستان غرباً وجنوباً، والأكراد شمالاً.
التفسخ السياسي جغرافياً هو أكبر الهواجس المؤرقة للمرشد والنظام الثوري في طهران، إلا أن القبضة القوية غير كافية الآن، وطهران ستستمر في المناورة عبر برنامجها النووي، انطلاقاً من حيويته في تحقيق الاستدامة السياسية للنظام، والضامن لتطوير نموذج الدولة المذهبية.
أي من مرشحي المرشد لن يكون تقليدياً، وسيلجأ أي منهم لاتخاذ إجراءات تعيد هيبة النظام داخلياً، والخروج من المشي في ظل الجنرال سليماني إقليمياً ودولياً، وعلى المجتمع الدولي التحضر لذلك من الآن. فهل سيقبل الاستمرار في التفاوض مع نظام قد يعيد مشاهد القمع بعد انتخابات 2009، أو مذابح في حق الأقليات من عرب الأحواز أو البلوش أو الأكراد.
* كاتب بحريني