أُثيرت ضجة كبيرة واسعة الانتشار في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي على اختلافها حول تصريحات وزير الخارجية اللبناني «شربل وهبة» غير الموفّقة وغير الدبلوماسية بحق الدول الخليجية. ففي رده على محاور سعودي خلال برنامج تلفزيوني على شاشة إحدى الفضائيات اللبنانية، قال الوزير وهبة: «كيف يحاكيني بدوي بهذه اللهجة»! ثم انسحب من الاستديو محتجاً بأن لغة الحوار ليست بمستوى مقام معاليه، وخرج محتجاً، وكان السبب المباشر لغضبه قول المحلل السعودي: «أنتم خرّبتم لبنان، وأوصلتموه إلى هذا المستوى من الحال، وهذا كلام رئيسكم ميشيل عون»!
لم أر مبرراً لتهجم الوزير اللبناني على الضيف السعودي، ووصفه بأنه «بدوي»، لكن معالي الوزير وصفنا بأفضل وصف نحبه ونعتز به، أي نسبتنا إلى البادية؛ فهي أصل ومنبع مجتمع الخليج العربي كله، وحين يقول المرء في الجزيرة العربية والخليج العربي إنه «بدوي»، فهو يعني بذلك أنه من منبع الأصالة، أي أنه أصيل في الأرض والمجتمع الذي ترجع أصوله في معظمها إلى قبائل البادية.
لكن بعض إخواننا العرب في بلاد الشام ينظرون إلى أي شخص يرتدي الزي الوطني الخليجي (الغترة والعقال) على أنه شخص أمي وعديم الفهم، بينما يعتقدون عن أنفسهم أنهم فقط مَن يفهمون ولا أحد غيرهم يفهم شيئاً! وهذا رغم أن معظم مجتمعات الدول العربية تعود إلى أصول بدوية عربية، قبل أن تتطور إلى ما هي عليه الآن. وإن لم يدرك بعضهم ذلك أصلاً أو لم يعترفوا به، فإنهم حين يرجعون لأصولهم وموروثهم يرتدون الزي الشعبي الأصيل الذي يتوارثونه ويعتزون به. لكن حين نرتدي نحن في الخليج زينا الوطني المحلي البدوي الأصيل يصبح ذلك من وجهة نظرهم دليلاً على «بداوة» نحن نفتخر ونعتز بها، بل نتباهى بها كصفة وكسمة وكسمعة وكوصف.. لدلالتها على الأصالة وعلى الرسوخ في اللغة والدين والمجتمع والتقاليد المحلية.
لقد أسسنا في الصحراء القاحلة دولا أصبحت اليوم تقود الشأن العربي في مجالات السياسة والاقتصاد والمال والعلم والعمران، وبنينا مدناً وحولناها إلى ناطحات سحاب.. وكل ذلك ونحن نرتدي العقال العربي ونحافظ على ارتدائه، فهو لم يمنعنا من غزو الفضاء والوصول إلى المريخ بعقولنا، كما لم يمنعنا من العناية بلبنان وتقديم الدعم لاقتصاده وجيشه ومؤسساته ولاجئيه.. بل لم يحقق لبنان ما حقق إلا من خيرات بلادنا التي أسست في الصحراء البدوية. لقد بنينا في البادية حضارة أصيلة ونهضة عمرانية مبهرة، وأنشأنا المصانع الضخمة وشيدنا الأبراج الشاهقة وأوجدنا أضخم الفنادق وأحسن الشاليهات والمتنزهات.. حيث يأتي اللبنانيون على اختلافهم للترفه أو للبحث عن فرص عمل أو عن مشاريع استثمارية.
لكن بعض اللبنانيين أساؤوا إلى لبنان قبل أن يسيئوا إلى الخليج، وذلك حين حوّلوا وطنهم إلى ساحة للقتال الطائفي والمذهبي، وفتحوا حدوده للغرباء والغزاة، وحولوا حدائقه إلى ثكنات ودكاكين عسكرية لتنفيذ أجندات خارجية. كما حولوا أرصفة مدنه التي كانت تباع على جوانبها الورود والكتب إلى مكبات قمامة تلوث الأجواء وتسمم البيئة. هذا هو حال لبنان اليوم بعد أن كان ذات يوم عامراً ونظيفاً بفضل الدعم الخليجي والاستثمارات الخليجية والسياحة الخليجية.. أي بفضل خير الخليج وكرم أبنائه الذين ساءتهم تلك التصريحات من وزير الخارجية اللبناني «شربل وهبة»، فهي تصريحات مشينة وعنصرية، ولا تناسب الأعراف الدبلوماسية ولا تليق بعلاقات الأخوّة العربية!
*كاتب سعودي