تزامنت الذكرى الثالثة والسبعون للنكبة التي ألمت بالشعب الفلسطيني في عام 1948 مع أحداث حي الشيخ جراح التي فجّرت المواجهات الحالية في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة، وأعادت للذاكرة الجمعية الفلسطينية قضايا الترحيل القسري وحق العودة وحقوق الملكية في الأراضي الفلسطينية، لتعود مجدداً حلقات التصعيد بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إذ بدأت الأحداث في التصاعد بسبب حكم قضائي إسرائيلي بإخلاء عدة بيوت تابعة لحي في القدس الشرقية، هو حي الشيخ جراح، من سكانه الفلسطينيين، وهو حي يطلق عليه الإسرائيليون اسم «نحلات شمعون» ويقولون إنه تأسس في عام 1891 على أيدي مدارس تلمودية اشترت الأرض وبنت عليها سكناً لليهود، وصارت هذه المنطقة تخضع للحكومة الأردنية منذ عام 1956 بموجب اتفاقية مع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بغية إعادة توطين 28 عائلة فلسطينية هُجرت قبل ذلك من داخل إسرائيل، إثر الأحداث التي رافقت قيام الدولة الإسرائيلية بين عامي 1947 و1949، حيث استمرت السيطرة الأردنية على القدس الشرقية حتى حرب عام 1967 حين ضمتها إسرائيل فصارت ضمن الأراضي المحتلة بموجب القانون الدولي. وفي عام 1970 أصدرت إسرائيل قانوناً يسمح لمحاكمها بإعادة الممتلكات إلى المالكين اليهود أو ورثتهم، بما في ذلك الجمعيات اليهودية التي تعمل نيابة عنهم، والتي يزعمون أنهم كانوا يملكونها في القدس الشرقية قبل 1948 وبالتالي إجلاء السكان الفلسطينيين ونقل منازلهم إلى مستوطنين يهود.
شهدت مدينة القدس طوال شهر رمضان المبارك توتراً في محيط المسجد الأقصى، وتصاعدت حدة المواجهات بسبب القرارات القضائية الإسرائيلية التي أعقبتها مظاهرات واحتجاجات تم قمعها بعنف. ولطالما شكَّل وضع القدس أهمية محورية تتجاوز معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، نظراً للأبعاد الدينية فيما يتعلق بقيمة القدس للأديان السماوية الثلاث، الإسلام والمسيحية واليهودية، إضافة إلى الأبعاد التاريخية للصراع العربي الإسرائيلي المرتبطة بحقوق الملكية وحق العودة والحقوق التاريخية والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، في مقابل الطابع الديني الذي تكتسيه القدس والمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، إذ تقع في صلب معتقدات بعض اليهود، وهي تتعلق بالاستعادة المادية لأرض إسرائيل التوراتية قبل عودة المسيح، وهي من القضايا الجوهرية المسكوت عنها في عمليات السلام، لكنها براكين قابلة للانفجار في أي لحظة ولأي سبب، وهو ما حصل الأسبوع الماضي بعد أن تفجرت الأوضاع في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، وتوسعت دائرة تطاير شظايا أحداث القدس لتعيد من جديد فتح أبواب المواجهات الإسرائيلية الفلسطينية على مصراعيها.
التوترات التي بدأت في القدس امتدت إلى الضفة الغربية وإلى داخل إسرائيل، ومن ثم أشعلت الفصائل الفلسطينية جبهةَ غزة بعمليات استهداف صاروخية للداخل الإسرائيلي فيما سمي بعمليات «سيف القدس». وفي المقابل نفذت إسرائيل مئات الضربات الجوية على القطاع وشنت غارات اعتُبرت الأعنف منذ الصراع في 2014. واليوم تكمن الأولوية القصوى، في ظل التصعيد الراهن، في وقف أعمال العنف من قبل الطرفين، وضمان أمن السكان المدنيين أولاً، ومن ثم إعادة فتح الملفات العالقة دون محاولات القفز على بؤر التوتر في أي جهود مستقبلية لحل ملفات الصراع وشق الطريق نحو التعايش السلمي في المستقبل البعيد.
في ذكرى النكبة الـ73، لنترك موضوع الجذور التاريخية للصراع ونعود للقانون الدولي وللقرارات الدولية كأساس للحل الدائم والعادل، وإلا فإن الدائرة المفرغة للصراع ستستمر.
*كاتبة إماراتية