في رفض لإدارة بايدن، طرد القادة السياسيون في السلفادور وجواتيمالا العديد من كبار القضاة المعروفين باستقلالهم وحماسهم لمكافحة الفساد، مما يبرز الصعوبات التي تواجه سياسة واشنطن الجديدة في أميركا الوسطى. وقد وضع الرئيس جو بايدن مكافحة الفساد في صميم تلك السياسة، حيث يرى المسؤولون الأميركيون أن الفساد يعيق اقتصادات أميركا الوسطى ويدفع المواطنين لمحاولة الهجرة إلى الولايات المتحدة. وقد أثار تهميش القضاة مخاوف على أعلى المستويات في الحكومة الأميركية، حيث قدّم وزير الخارجية أنطوني بلينكين ونائبة الرئيس كامالا هاريس احتجاجاً. وتستعد الإدارة لاتخاذ تدابير لزيادة الضغط على السلفادور وجواتيمالا وهندوراس، المعروفة باسم دول المثلث الشمالي، تتضمن قائمة «التسمية والتشهير» للساسة الفاسدين الذين سيتم رفض منحهم تأشيرات دخول للولايات المتحدة. وتأتي هذه الجهود في الوقت الذي تحذّر فيه جماعات حقوق الإنسان من تراجع الديمقراطية في أميركا الوسطى، حيث برز القضاء باعتباره المراقب الرئيسي للسلطة الرئاسية.
وفي السلفادور، بعد فوز حزب الرئيس «نجيب بوكيلي» بأغلبية ساحقة في الكونجرس، صوّت المشرّعون هذا الشهر لإقالة المدعي العام وجميع القضاة الخمسة في الغرفة الدستورية بالمحكمة العليا. وقبل أسبوعين، رفض المجلس التشريعي في جواتيمالا أداء اليمين لرئيس المحكمة الدستورية، وهي قاضية محاربة للفساد تدعى «جلوريا بوراس»، بعد إعادة انتخابها.
وأشار «جيف ثالي»، رئيس مكتب واشنطن لشؤون أميركا اللاتينية، إلى أن مكافحة الفساد في أميركا الوسطى لم تكن أولوية بالنسبة للرئيس السابق دونالد ترامب، والذي أصبح حليفاً قوياً لقادة المثلث الشمالي بعد أن وافقوا على قمع الهجرة واستقبال طالبي اللجوء الذين تم إبعادهم عن الحدود الأميركية. ولم يعترض عندما قامت جواتيمالا بتفكيك لجنة لمكافحة الفساد تلقّت عشرات الملايين من الدولارات كمساعدات أميركية. وأشاد ترامب برئيس هندوراس «خوان أورلاندو هيرنانديز» حتى بعد أن ألمح المدعون العامون في نيويورك إلى تورطه في تهريب الكوكايين. وجادل ترامب بأن نهجه أثمر نتائج مهمة، حيث انخفضت الهجرة في صيف عام 2019 على الرغم من أنها بدأت في الارتفاع المطرد بعد عام. ويكافح بايدن، الذي ألغى العديد من سياسات سلفه، مع زيادة حادة في عدد المهاجرين وطالبي اللجوء.
يؤكد المسؤولون الأميركيون أن الفساد الحكومي في المثلث الشمالي ليس مجرد مسألة داخلية، وإنما يؤثر على الولايات المتحدة من خلال حث الناس على مغادرة وطنهم. وقال «ريكاردو زونيجا»، المبعوث الخاص لوزارة الخارجية إلى المنطقة: «إنهم يشعرون بأنه ليس لديهم مستقبل»، وأوضح أن النخب في أميركا الوسطى «التي تشعر بالارتياح تجاه الوضع الراهن، تقوم بشكل أساسي بتصدير مشكلتها إلينا».
ويشعر المسؤولون بالقلق خاصة بشأن السلفادور. فقد سيطر بوكيلي على الحياة السياسية منذ فوزه الساحق في انتخابات عام 2019. وقد حصل على تقييم جيد لإدارته لوباء فيروس كورونا وتقليل العنف. لكنه تعرض لانتقادات لتجاهله أحكام المحكمة العليا وإرسال جنود إلى مجلس الكونجرس في السلفادور للضغط على المشرعين للموافقة على إجراء أمني. وأثارت الإطاحة بكبار القضاة الدستوريين والمدعي العام في البلاد مخاوف من أن البلاد تتجه نحو الحكم الاستبدادي. وقال «أبراهام أبريجو»، مدير التقاضي الاستراتيجي في منظمة «كريستوسال» لحقوق الإنسان في السلفادور: «إنه هجوم على النظام الديمقراطي واستقلال القضاء. إنه انقلاب».
وتخشى جماعات حقوق الإنسان أن يكون بوكيلي قد سعى لاستبدال القضاة كجزء من محاولة لإصلاح الدستور وإلغاء الحظر المفروض على فترات الرئاسة المتتالية.
ومن جانبها، أعربت هاريس الأسبوع الماضي عن «مخاوف عميقة بشأن ديمقراطية السلفادور»، لكن بوكيلي لم يظهر أي علامة على التراجع. ويجادل أتباع بوكيلي بأن مواجهته مع السلطة القضائية كانت مبررة. وقال «أماديو لوبيز»، مدرس من مقاطعة شالاتينانجو الشمالية: «طوال هذا الوقت في السلفادور، لم يكن هناك مطلقاً مدع عام أو محكمة دستورية تعمل لصالح الشعب. لقد كانت دائماً تعمل لصالح النخبة».
واعترف زونيجا أن بوكيلي يحظى بدعم شعبي واسع. ولم ترتفع الهجرة من السلفادور بقدر ما ارتفعت من هندوراس أو جواتيمالا. وقال: «التحدي هو أن الاقتصاد السلفادوري ليس في حالة جيدة». انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنحو 8.6% العام الماضي خلال الوباء. وبقدر ما يحب السلفادوريون رئيسهم، قال زونيجا، «إذا لم يكن لديهم وظيفة، والتضخم آخذ في الارتفاع، فإنهم سيغادرون بلادهم».
وفي جواتيمالا المجاورة، يبدو أن الحكومة تختبر إدارة بايدن. في 13 أبريل، رفض المجلس التشريعي أداء اليمين للقاضية «بوراس»، متذرعين بالطعن في بعض أحكامها والمخالفات المزعومة في انتخابها. وقبل أيام قليلة، التقى زونيجا مع بوراس وأعرب عن «دعمنا الكامل» لقضاة مكافحة الفساد في البلاد. وقالت بوراس: «إنها جزء من استراتيجية من قبل مجموعة من الناس لمحاولة ضمان الإفلات من العقاب، وعرقلة عمل ديمقراطية حقيقية».
وقال «ستيفن ماكفارلاند»، السفير الأميركي السابق في جواتيمالا، إن المشرعين «يعتقدون أن الولايات المتحدة تخادع» أو لا يمكنها فعل الكثير للرد، لا سيما لأن إدارة بايدن تحتاج إلى مساعدة الحكومة في الحد من الهجرة.
وأكد زونيجا أن الإدارة تريد العمل مع دول أميركا الوسطى للحد من الفساد وتحسين الشفافية، مما يساعد في جذب المزيد من الاستثمار. لكن يمكن لواشنطن أن تستخدم سياسة العصا والجزرة. فقد أمر الكونجرس إدارة بايدن بإعداد قائمة بحلول نهاية شهر يونيو تضم «الفاعلين الفاسدين وغير الديمقراطيين» في المثلث الشمالي، والذين سيتم منعهم من دخول الولايات المتحدة. وأشار زونيجا أيضاً إلى أن السلطات الأميركية «توضح مخاوفنا» للبنوك متعددة الأطراف بشأن البلدان التي تفتقر إلى الممارسات الحكومية الجيدة، حيث تسعى السلفادور حالياً للحصول على قرض بقيمة مليار دولار من صندوق النقد الدولي.
ماري بيث شيريدان* وآنا كاثرين بريجيدا**
*مراسلة تغطي المكسيك وأميركا الوسطى لصحيفة «واشنطن بوست»
**صحفية مستقلة تغطي الهجرة ومنطقة أميركا الوسطى
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»