تأتي الرواية المخضبة بالدم العربي على تراب عدن العربية في يوم السابع والعشرين من شهر رمضان المعظم بعد أن انطلقت عملية «السهم الذهبي» ضمن عمليات «عاصفة الحزم»، التي قادتها السعودية تلبية لنداءات شعب تقطعت به السبل وضاقت عليه الأرض بما رحبت، فسقطت كل مديريات عدن الواحدة تلو الأخرى. ولم تكن المقاومة الجنوبية تمتلك سوى الأسلحة الخفيفة غير القادرة على وقف التمدد «الحوثي» الذي أحاط بمدينة عدن وحولها لجحيم.
يتناقل الرواة بافتخار عن مشاهداتهم في تلك الحرب التي خاضتها القوات المسلحة الإماراتية لتقود العمليات العسكرية، وكما يقول أحد المختصين واصفاً عدن بأن مسرح العمليات كان متداخلاً وصعب التحكم فيه نظراً لأن قوات «الحوثي» والحرس الجمهوري كانت قد اتخذت مواقع بين الأبنية السكنية لتحييد القوة الجوية الإماراتية، فلم يكن أمام القوات الخاصة سوى المواجهة المباشرة، لذلك تقدمت القوة الإماراتية بمدرعاتها وبدأت العمليات من مديرية خور مكسر.
شهدت بداية العمليات ارتقاء أول شهداء القوات الإماراتية الملازم أول عبدالعزيز الكعبي، ويقول أحد الرواة إنه كان على مسافة كيلو متر من انفجار اللغم المزروع أمام مركبة الكعبي التي كانت متقدمة في المواجهة العسكرية، وإنه ما إن علم باستشهاد الضابط الإماراتي أيقن بأن الجنود الإماراتيين جنود استثنائيون، ويقول: تقدمت المركبات الإماراتية وكانت تضرب «الحوثيين» لتؤمن لقوات المشاة التي كانت تتشكل من المقاومة الجنوبية، التقدم استمر والتحقت كل القطاعات في الموقع المحدد بفضل قوة النيران التي سرعت من العمليات القتالية.
ويذكر أحد الرواة الثقات بأن الضباط الإماراتيين كانوا صارمين في قراراتهم العسكرية، خاصة بعدما تسارعت انكسارات «الحوثيين» وتساقطت دفاعاتهم ودب فيهم اليأس والارتباك، كانت حماسة جنود المقاومة الجنوبية عالية، فيما كانت أوامر الضباط الإماراتيين صارمة خوفاً من الكمائن والقناصين والاندفاع، غير المحسوب قد يكلف خسارة في أرواح المقاتلين من المقاومة، فيقول الراوي: كانوا حريصين علينا كحرصهم على إخوانهم وأبنائهم.
أظهر الجندي الإماراتي احترافية قتالية عالية، هكذا قال أحد قادة المقاومة الجنوبية، ويردف أنه رأى فيهم عقيدة قتالية كانت مثار اهتمام كل أبناء المقاومة، فلقد شكلت تلك العقيدة القتالية نواة التحرير الحقيقية، فكلما اشتدت المعارك في شوارع عدن، كان الجنود الإماراتيون أكثر صلابة وقوة، مما بث روحاً معنوية قوية في خلايا كل المقاومين الذين يستشعرون أن الجنود القادمين لدعمهم ثابتين في مواقعهم، لا يتزحزحون كما هو جبل شمسان الشامخ على عدن على أمد الأزمنة.
بشكل متسارع، كانت عملية «السهم الذهبي» تحقق أهدافها ومع تحرير مديريات عدن، وصلت المعركة الفاصلة في المطار الذي كانت مليشيات «الحوثي» والحرس الجمهوري، قد حولته مركزاً لإدارة العمليات والسيطرة، مما جعل من مسألة تحرير المطار النقطة الأهم في العملية العسكرية، وهنا لعب سلاح الجو الإماراتي دوراً هاماً في تمهيد مسرح العمليات الميدانية حتى تمكنت قوات المشاة من اقتحام المطار من عدة جهات متزامنة، ليتم إعلان تحرير مطار عدن في ليلة التاسع والعشرين من رمضان وبعد يومين من بداية عملية «السهم الذهبي».
قدمت القوات المسلحة الإماراتية مفهوماً متقدماً غير تقليدي، فمنذ تحرير عدن في يوليو 2015، تلازمت العمليات العسكرية الإماراتية بعمليات مرادفة لها تقوم بها الجهات المسؤولة عن الإغاثة الإنسانية، وهو ما يفسر استقرار الأرض المحررة بدعم وإسناد إماراتي، الأجدر والأهم في سياق ذكرى حرب السابع والعشرين من رمضان هو عملية التوثيق بمختلف الوسائل المتاحة، فذاكرة الشعوب تظل خالدة عند شهدائها وجنودها الذين بذلوا ويبذلون حياتهم ويقدمون أنفسهم في ميادين القتال تجسيداً لقيم بلادهم وخصالها. وقيم الإمارات جسّدها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة من خلال استجابته لنداء العروبة، وتمت الاستعانة برجال أشداء لم يقبلوا بسقوط عدن، وأسقطوا على أسوارها كل مشاريع الظلام والجهل، وانتصر العرب وانتصرت عدن.
* كاتب يمني